الاثنين، 13 مارس 2017


البون الشاسع بين الأقوال والأفعال ( تقرير مصير الكورد نموذجا ً ) !
حسين حسن نرمو
كانت الثورة الفرنسية عام 1789 ، وليدة الكثير من الأفكار الحُرّة والاصلاحية والديمقراطية وحتى الثورية ، حيث تم التركيز عليها من خلال مبادئ الجمعية الوطنية الفرنسية ، وربّما قبلها في مجلس طبقات الأمة ( رجال الدين ، الأشراف والعامة ) ، بعد الثورة ، تم الحديث عن مثل الأفكار أعلاه ، وربّما الاقتداء بها لتتجه نحو التطبيق العملي بشكل أو بآخر ، منها ما تم التركيز عليه هو حق الشعوب في التحرير وتقرير مصيرها ... لكن ! مثل هذه الخطوات لم ترى النور ، ربّما أخفقت فرنسا نفسها ، ولفترات محددة من تطبيق ما تم التأكيد عليها من هذه الأفكار بعد سيطرة نابليون بونابرت وتأسيس إمبراطوريته المعروفة ، وكذلك الممارسة الفعلية لفرنسا أيضا ً باستمرار الاستحواذ على مناطق كثيرة ودول عديدة تحت ذريعة الاحتلال واستغلال طاقاتها من الموارد والخامات لمصالحها ، نموذج الانتداب لفرنسا مع بريطانيا وفي منطقة الشرق الأوسط مؤخرا ً أكبر دليل على ذلك ولا سيما في سوريا ولبنان واحتلال الجزائر على سبيل الأمثلة لا حصرا ً ...هذا على المستوى الأوربي ...
روسيا ً ... أو على مستوى الاتحاد السوفيتي ، تحديدا ً بعد انتصار الثورة البلشفية في عام 1917 ، حيث تم الإعلان عن ( إعلان السلام ) من قبل قادة الثورة ، ركّز فيه على حق تحرير الشعوب من الاستبداد والاحتلال ثم تقرير المصير على لسان القائد لينين نفسه ، سواءا ً داخل الدولة أو حتى حق الانفصال في كيان خاص بالكثير من الشعوب المستحقة داخل حدود دول بذاتها ، لكن للأسف بقت مثل هذه الحقوق داخل إطار شعارات رنانة ، نادت وتنادي بها أصحاب الحقوق وحتى المُدافعين عنها من الدول المتنفّذة أعلاه ضمن الإعلانات والمبادئ ، لا بل هؤلاء لم يدافعوا ولم ينفذوا ما وعدوا بها عن حقوق الشعوب والقوميات داخل بلدانها أيضا ً ...
أما أمريكيا ً وعلى مشارف نهاية الحرب الكونية الأولى ، دخلت على خط المشاركة بالإعلان عن المبادئ الأربعة عشر والتي وضعتها الرئيس الأمريكي ولسون بخصوص السلام العالمي ، حيث تحت تأثير الضغط الأمريكي حينذاك ، أجبر الحُلفاء على قبول هذه المبادئ والتي بموجبها تم التوقيع على معاهدة فرساي في فرنسا ، من ضمن هذه المبادئ هي مراعاة شعور القوميات المتعدّدة في أوربا وغيرها ، وكذلك احترام حق الشعوب في التحرير وتقرير المصير ، وإنشاء هيئة دولية تتولى حل النزاعات سلميا ً ، كانت هذه الهيئة عصبة الأمم والتي لم تتوفق في عملها حتى النهاية ، لتدخل العالم حرب كونية ثانية قبل تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 ، ولم تشارك أصلا ً أمريكا في عصبة الأمم وذلك بعد عدم موافقة الكونغرس على معاهدة فرساي ( معاهدة ويلسون الأمريكي على طريقة كليمنصو الفرنسي ) هكذا تم تسميتها فيما بعد ، لذا لم يأت مبدأ ( حق تحرير الشعوب في تقرير مصيرها ) بما كان مؤمّلا ً منه وحتى في المناطق ذات النفوذ الأمريكي ، خير مثال على ذلك هو حق تقرير الشعب الفلسطيني في الدولة والاعتراف بها جديا ً سواءا ً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى صاحبة الشأن أكثر أسرائيل نفسها ...
حتى لا نبتعد أكثر من صُلب الموضوع حول تقرير مصير الشعب الكوردي أو الكوردستاني ، باعتباره أكبر شعب أو أمة لم يصل أو تصل مبتغاه ها في تأسيس كيان خاص به كدولة ...
إذا رجعنا إلى الماضي والذي مضى عليه ما يقارب القرن من الزمن وتحديدا ً معاهدة سايكس ــ بيكو الفرنسية البريطانية عام 1916 حول الحدود وتوزيع أرث إمبراطورية الرجل المريض وتشتيت الشعب الكوردي بين الحدود الدولية الآنية المعروفة في الشرق الأوسط ، حيث طَغَت هذه المعاهدة على آمال هذا الشعب وحُلمهم بدولتهم .. لكن بعدها بأربع سنوات ، عَقَدَ الكورد آمالهم على معاهدة سيفر في آب 1920 ، التي قضت بتفكيك الدولة العثمانية مع الإشارة إلى حق تقرير المصير للأرمن والكورد ، لكن سرعان ما طار هذا الأمل أيضا ً مع رياح معاهدة لوزان عام 1923 والتي أخذت معها حُلم الأرمن والأكراد بعد الثورة الأتاتوركية ، والتي بموجبها حصل الأتراك على استقلالهم ودولتهم الحالية ، علما ً بأن الكثير من شيوخ العشائر ورجال الدين الأكراد ساندوا لا بل حاربوا فعليا ً مع مصطفى كمال أتاتورك في ثورته ، ربّما لولاهم لم ينجح أو يوفق في مهمته حينذاك ...
خلال القرن الماضي وحتى قبل تأسيس الدولة العراقية ، طالب الكورد ، لا بل قاموا بثورات عديدة لنيل الحقوق المشروعة ، بدءا ً من ثورات الشيخ محمود الحفيد ، والذي كان وراء تشكيل حكومة كوردستانية في السليمانية وفي العشرينات من القرن المنصرم ، لكن البريطانيين حينذاك وربّما لعدم التمكن من احتواءه وفق المصالح والأهواء ، عملوا وبشتى الوسائل على إفشال تلك التجربة الكوردستانية الفريدة ، بعدها لم يقفوا الأكراد مكتوفي الأيدي ، لا بل بدأت ثورات بارزان بقيادة عبدالسلام بارزاني وثم تنظيم هيوا ، وصولا ً إلى البارزاني مصطفى وتأسيس الحزب الديمقراطي وثورة أيلول المجيدة ، حيث تمكنوا من الوصول إلى اتفاقية 11 آذار وتجربة الحُكم الذاتي لأربع سنوات ، ثم تجدد القتال واتفاقية الجزائر الخيانية كانت الأقوى دوليا ً لإخماد الثورة الكوردية ... بعدها دخل الكورد في الميدان السياسي والعسكري بأكثر من تنظيم ، لا سيما بعد تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني عام 1975 بقيادة مام جلال ، ليشاركوا بقوات عسكرية ( البيشمه كه ) في الجبال والنضال من أجل المبادئ و ( حق تقرير المصير ) والذي أتخِذ كشعار رئيسي للاتحاد الوطني حينذاك ، بعدها انفجرت ثورة كولان ، والاتفاق بين الأحزاب على تشكيل جبهات أوسع للنضال ، قبل وبعد عمليات الأنفال السيئة الصيت إلى أن حدثت الانتفاضة الآذارية بعد ابتلاع الكويت من قبل حرص صدام الخاص ، بعدها تم إجراء انتخابات وتشكيل حكومة في إقليم كوردستان في العقد الأخير من القرن العشرين ...
كل هذه الفترة والأعوام ما بعد الألفية الثالثة ، والكورد مستمرين في نضالهم لنيل الحقوق ، لا سيما بعد سقوط بغداد وتوجه الدولة العراقية نحو الديمقراطية والفيدرالية والتعددية والاعتراف الرسمي ضمن الدستور العراقي بإقليم كوردستان ...
بعد سقوط الموصل بيد داعش في 10 / حزيران / 2014 ، كَثُرَ الحديث عن تطبيق ، أو بالأحرى إلغاء المادة 140 من الدستور العراقي ، بعد استيلاء القوات الكوردستانية على غالبية المناطق الكوردستانية الخارجة عن سُلطة الإقليم ، والحديث كان يمتد أكثر بإعلان الدولة والاستقلال .. لكن ! رياح داعش المعاكس ، أفسد الأحاديث بعد إحكام السيطرة على شنكال وتعرض المنطقة إلى كارثة حقيقية بالقتل والاغتصاب الجماعيين ، بيع بنات شنكال في أسواقهم السيئة الصيت في الموصل العراقية والرقة السورية ...
لكن !!! من الناحية الرسمية وعلى مستوى رئاسة الإقليم المتمثل بشخص الرئيس البارزاني ، كان ولا يزال الحديث مستمرا ً عن الاستفتاء حول تقرير المصير ، حيث حاول ويحاول بشكل جدّي من خلال علاقاته وجولاته المكوكية هنا وهناك من أجل إقناع الكثير من الأطراف ذات العلاقة ، منها الدولية والإقليمية أيضا ً لِمَد يد التعاون معه من أجل الاستقلال ، لا سيما الولايات المتحدة وكذلك تركيا الجارة ، والتي كانت وربّما لا تزال تعترض على تشكيل أي كيان مستقل في إقليم كوردستان وحتى في سوريا ، رغم استفادة تركيا اقتصاديا ً من خلال الشركات الكثيرة العاملة في الإقليم ، كذلك الاستفادة المباشرة من النفط الصادر من كوردستان باتجاه ميناء جيهان التركية ...
إذا ً ! السؤال الذي يطرح نفسه هو ... هل بإمكان القيادة الكوردستانية والمتمثلة بشخص رئيس الإقليم الحصول على الضوء الأخضر من الأطراف الدولية والإقليمية لإقامة مثل هذا الكيان أو إعلان الدولة الكوردستانية ؟
نقول بأن غالبية هذه الجهات لها مصالح استراتيجية مع العراق كدولة أكثر من إقليم كوردستان وخاصة الأمريكية والأوربية ... أما التركية ، باعتقادي إنهم أحفاد الدولة العثمانية وامتداد السياسة الأتاتوركية والتي يسيرون عليها ، والذي أي شخص أتاتورك نفسه الذي عقد معاهدة لوزان ضد الأرمن والكورد حينذاك ، ومن الممكن أن يقيم أردوغان الحفيد نفس العلاقات والمعاهدات مع الآخرين في سبيل منع تأسيس الدولة الكوردستانية ، ربّما خوفا ً من أكراده المطالبة بالمثل أو الانضمام والتعاون مع الجنوب الكوردستاني لنفس الأهداف ....
لذا في النهاية وخلاصة القول الفصل سيكون في بغداد ، حيث بإمكان الكورد التعامل والتفاوض والحراك الجدّي مع بغداد من أجل الحصول على موافقتها أولا ً وأخيرا ً ، نعتقد بأن عكس ذلك وفي مثل هذه الظروف ، سيكون حل ّ القضية  الكوردستانية ، أعقد وأصعب من قضية فلسطين ، والتي باقية لحد الآن ، ودون حصول هذا الشعب على كيان مستقل بمعنى الكلمة ، إلا إذا كانت إسرائيل جدّية في الاعتراف بها وفق قرارات الشرعية الدولية ...
دهوك في 28 / ك 2 / 2017 

ليست هناك تعليقات: