حسين حسن نرمو
مقدمة :ــ
بين فترة وأخرى في هذا الزمن الحرج بالنسبة لنا ، تتوالى أصوات على شكل دعوات ، رسائل تبحث عن حلول كرسالة الحائر " س م " من السويد والتي سبق وأن نشرت في بحزاني نت منذ أمد والذي بحث عن حل مع مشكلته حسب ما روى بأنه يحب فتاة أرمنية ومن أجل الأرتباط الدائمي " الزواج " ، لكن العادات والتقاليد عائقة أمام حيرته ، أو النداء من قبل أمرأة ناجت " رئيسة تحرير أنا حرة " وتريد حلا ً مع مشكلة أبنها الوحيد الذي يحب فتاة من غير الطبقة التي ينتمون إليها والتي سبقت وأن نُشرت في موقع أنا حرة الذي يهتم أيضا ً بالشأن الأيزيدي ، وأحيانا تُنشر مقالة هنا أو هناك حول الموضوع نفسه " الأصلاحات " ، مَن يدري ربما في المستقبل ستلقي محاضرات ومناقشات وعلى مستوى وربما أيضاً دراسات بهذا الخصوص .... وهذا ما تحقق فعلا ً حيث أشار الباحث الأيزيدي الشاب والموهوب الدكتور عدنان زيان خلال مشاركته مع وفد رسمي في مؤتمر عقد في تركيا ـ هازخ وفي محاضرة قدمها مؤخرا ً حيث نُشر النشاط من قبل الصحفي خدر دوملي بامتياز بأن ( هذه الديانة أي الأيزيدية بحاجة ماسة إلى اصلاحات جزئية لنظامها الطبقي ولكي تتلائم وتغيرات العصر في سبيل الحفاظ على التقسيم الديني لها وألا فأنها ستضعف كثيرا ويصابها الوهن والتشتت ) . هذه الأصوات كلها من أجل أجراء بعض الأصلاحات الأجتماعية والدينية أيضا ً في المجتمع الأيزيدي ، ظنا ً منهم لمواكبة العصر الحديث ، عصر الأنترنيت والعولمة ، ولا سيما نحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد . من البديهي جداً أن يُطرح مثل هكذا موضوع من قبل " النخب " وعلى مستوى ولهم باع طويل في مجال الدراسة والبحث العلمي حول هذه الديانة العريقة ، ومن النخب أيضا ً مَن تمرّدوا على الواقع في هذا المجال ( الأصلاح الديني ) ربما سيقتدى بهم في المستقبل في مجال الأصلاح " الطبقة السابعة " ، بعد أن يتجرأوا في مخاطبة المجتمع حول ما قاموا به أيمانا ً منهم بما سيحدث مثل هذا الواقع عاجلا أم آجلا ً في المجتمع الأيزيدي المعاصر ...
رأي سمو الأمير :ــ
قبل التطرق إلى تفاصيل أكثر حول الموضوع ، لنرجع قليلا ً إلى الماضي ، تحديدا ً منتصف عام 1997 ، حينما كان سمو الأمير في زيارة إلى " ألمانيا " ، المحطة الثانية بعد زيارته إلى " لندن " كالعادة ، وفي يوم ما خلال فترة إقامته ، كان في ضيافة أحد الأخوة " الويرانشاريين " من أيزيديي كوردستان تركيا ، يومها حضر أحد رجالات الدين أيضا ً " بيشيمام " ، رغم حضوره وحديثه مع سمو الأمير كان ذات مصالح شخصية بالنسبة له ولها مكتسبات من وراء زيارته تلك ، إلا أن المناقشة حينذاك كانت تمس وتتعلق بموضوعنا هذا المطروح ، لذا أردنا الأشارة إلى ذلك الحوار .. ( حيث أدعى ذلك الرجل الديني بأن له مجموعة كبيرة من المريدين ، الذين هم أو أ ُشهر أسلامهم في الماضي البعيد أو القريب ، لأسباب خارجة عن إرادتهم آنذاك ، حيث طَلب من سموه الموافقة على عودتهم إلى الأصل الأيزيدي ، وهم على أتم الاستعداد لذلك ) . توقعت أن يكون هذا الطلب بمثابة صدمة لسمو الأمير ، لا سيما لم يكن من رجل ساذج ، لكن الظاهر بأن المناقشة وقبول الرأي الآخر مع ومن قبل سمو الأمير وهو في أوربا حينذاك وربما في وقت آخر ، أسهل وأسلس بكثير حينما يكون على عرش الأمارة في الوطن . لذا تَقَبل الحديث في الموضوع ليكون رده " فرضيا ً أو جدليا ً " في نفس الوقت ، حيث قال " لو نفرض بأن ما تنوون إليه قد حصل . هل سألتم أنفسكم عن التصنيف الطبقي لهؤلاء حال قبولهم ، مشيرا ً إلى الطبقات الثلاث الرئيسية طبعا ً دون الغوض في التفاصيل الأخرى ؟ " . أتجهت الآراء في ذلك الحوار الليلي الهادئ الشيق نحو أستحداث طبقة أخرى تأوي هؤلاء وربما غيرهم أيضا ً . بعد رحلة تأمل قصيرة ، حَسَم سمو الأمير الحديث لصالح العادات والتقاليد مدعيا ً " بأنه لا يستطيع لوحده البت في مثل هذه الأمور ، حيث هنالك مجلس روحاني وكذلك الشيوخ ورؤساء العشائر خاصة في " شنكال " الذين لا يقبلون بمثل هكذا طروحات "
لماذا هذه الطبقة ( السابعة ) ؟
حينما طُرح الموضوع من قبل بعض الأخوة المهتمين جدا ً بالشأن الأيزيدي ، سواءا ً على شكل كتابات هنا أو هناك ، أو من خلال المناقشات مع القيادة الدينية في الأجتماعات لأعضاء اللجنة الأستشارية التي تم تعينها من قبل سمو الأمير ، تلك الطروحات المرفقة بالحقائق كادت أن تعصف بمستقبل مقتريحها لأصدار فتاوي آنذاك بتحريمهم أو ربما تجريمهم بحق الديانة ، لولا أحداث شنكال في آب / 2007 ، التي غطت بشكل أو بآخر على المشاريع أو المقترحات بهذا الخصوص ، نعم طرحوا الأخوة حينذاك وبكل جرأة عن ممارسات وسلوكيات بعض الأيزيديين في المهجر والتي وصلت وخاصة جيل الشباب منهم إلى مرحلة الأندماج مع المجتمع الأوربي الملئ بسلوكيات تناقض مجتمعنا الأيزيدي المبني على بعض العادات والتقاليد منذ القدم والبالية بالنسبة لمجتمعنا في الوقت الحاضر ، حيث وصل البعض فعلا ً إلى ممارسة " الزواج المثلي " ، هذا ناهيك عن أقتران الكثير من الشبان بالأوربيات من أجل الصداقة والزواج أيضا ً في الدول التي يعيشون فيها ، لذا جاء الطرح وفق ما يرون ويشاطرون الكثير آراءهم في ما سيحدث للجالية الأيزيدية في المستقبل ، حيث لا يستثنى أحدا ً مهما تكون مكانته في المجتمع من أن يحصل في عقر داره لينال نصيبه من الأنتماء إلى الطبقة السابعة " على مستوى الأولاد أو الأحفاد " ، سواءا ً الآن أو في المستقبل ، بالتأكيد الواقع في المهجر يختلف تماما ً عن الوطن الأم ، ولولا هجرة أعداد كبيرة من الأيزيديين خارج الوطن الأم في النصف الثاني من عقد التسعينات من القرن الماضي لأسباب أقتصادية ، وبعد أنهيار النظام الدكتاتوري في العراق في نيسان 2003 ، أزدادت النسبة أكثر لتكون على شكل هجرة جماعية ، خاصة بعد أحداث الشيخان المعروفة ومقتل العمال الأيزيديين من بعشيقة وبحزاني وفق مخطط إرهابي منظّم ، هذا ناهيك عن العملية أو العمليات الأرهابية الجبانة التي تعرض لها ويتعرض الأيزيدية الآن وبشكل مستمر في شنكال وباقي المناطق الأيزيدية ، هاجروا ويهاجرون أعدادا ً كبيرة من الأيزيديين خوفا ً على مستقبلهم ، بعد تعرضهم إلى القتل على الهوية الدينية ، باتوا يؤمنون بأن أوربا هو الملاذ الآمن لهم كأقلية دينية مضطهدة على مدار قرون في موطن سكناهم ، نعم لولا هجرة هذه الأعداد الكبيرة من الأيزيديين إلى الشتات ، لتأخر في أعتقادنا هذا المشروع " الطبقة السابعة " المطروح من قبل أصحاب الشأن إلى أجل غير مسمى .
الطبقة السابعة موجودة :
لا نريد النبش في الماضي البعيد كثيرا ً ، حيث بعض الأخوة شَخّصوا قبلي حالات أو تجاوزات على العرف والعادات أو التقاليد في مجال الزواج بين الطبقات أو خارجها ، معظم أصحاب تلك التجاوزات إن لم نقل كلها من ذوي الرؤوس الكبيرة في المجتمع آنذاك ، أي كان التجاوز من مصدر القوة ولكون أصحابها ذا نفوذ ، دُفنت تلك التجاوزات في زمانها ومكانها ، لتذوب الذ ُرّية في الطبقة التي ينتمي إليها " الفحل " وبالتالي في المجتمع كله . طالما لا نريد النبش في الماضي كثيرا ً وبالتأكيد الحاضر أهم مرحلة زمنية بالنسبة لنا ، لذا لا بد أن نشير إلى هذه المرحلة فيما يخص هذا الموضوع المهم جدا ً على الساحة في الزمن المعاصر ، لا نريد المقارنة بين واقعين ، حيث هنالك بونا ً شاسعا ً بينهما ، الواقع الذي نشأ فيه الأيزيديون في موطن الآباء والأسلاف وواقع الغربة الذي لجأنا إليه سواءا ً بالأختيار أو أ ُجبرنا على ذلك وخاصة في الفترة الأخيرة بعد تعرض الأيزيدية إلى القتل على الهوية كما أسلفنا . في هذا المجال أرتأينا أن نشير إلى ما قال عالم الاجتماع العراقي المعروف " الدكتور علي الوردي " في إحدى مقابلاته مع الأستاذ حميد المطبعي وفي كتاب للأخير بعنوان " علي الوردي يدافع عن نفسه " ، حيث قال الوردي " من طبيعة الأنسان بشكل عام يؤمن بصحة ما نشأ عليه في بيئته الأجتماعية من معتقدات وقيم وأعراف وتقاليد وهو يبقى مؤمنا ً بصحتها إذا ظل قابعا ً في بيئته القديمة لا يفارقها ، إنما لا يكاد يفارقها حتى يبدأ الشك يراوده في صحة ما نشأ عليه في بيئته القديمة " . ها بدأ الكثير من الأيزيديين يفارقون موطن الآباء والأجداد إلى الأبد وبدأوا يستقرون في المهجر ، ربما ينطبق مثل هذه النظرية لعلي الوردي على جيل الناشئين والشباب الأيزيديين إلى حد ما بعد أختلاطهم وأندماجهم بالمجتمع الغربي ، أما الكبار الذين عاصروا أكثر من جيل لهم الخبرة في التعامل مع المجتمع الأوربي وراء الكواليس وفي أعلى درجات " التوب سيكريت " ، الأطفال الذين يولدون في المهجر سيكون مصير غالبيتهم الأندماج التام مع المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه شئنا أم أبينا . بقي أن نشير بأن هنالك حالات تجاوز أو تم التعامل معها عن قناعة من قبل أصحابها والتي حصلت سواءا ً كانت هنا في المهجر أو حتى في الوطن في الآونة الأخيرة مشمولة بها ذوي الرؤوس الكبيرة ، بدءا ً من ذ ُرية الأمراء أو رجال الدين فوق العادة وحتى الباحثين في مجال الديانة الأيزيدية وكذلك بعض الرموز الأجتماعية ، لكن يجب أن لا ننسى بأن هؤلاء المتجاوزين هم أنفسهم معززين مكرّمين من لدن القيادة الدينية لا بل هم المفضّلين على باقي أتباع الديانة عندهم ، بحيث دور أو بيوت هؤلاء أولى من الآخرين لأحتضان قيادتنا الدينية خلال جولاتهم وصولاتهم الأوربية .
كلمة أخيرة :
لا بد من القول ، بأن كلمتنا الأخيرة موجهة إلى أولئك المثاليين المصرّين في المحافظة على الجمود العقائدي والرافضين للتجديد والإصلاح في ( كل المجالات ) وليس في ما يقال عن أستحداث الطبقة السابعة فحسب ، هؤلاء يظنون بأن التجديد أوالأصلاح مهما كان نوعه خطر عليهم ويهدد مكانتهم في العروش التي بُنيت لهم منذ الأزل ، ربما البعض من هذه العروش خارجٌ عن الاستحقاق . في اعتقادي بأن هؤلاء لا يتمكنون من إيجاد حلول للكثير من المشاكل التي تعاني منها المجتمع الأيزيدي الراهن في مجال الأصلاحات ، ما لم يتم انتخاب مرجعية سياسية ودينية ، وفق آلية معترفة ومن خلال مؤتمر عام للأيزيدية ، يجمع أكثر عددا ً من أبناء المجتمع ومن مختلف شرائحه ، السياسيين ، المثقفين ، أساتذة الجامعات ، الطلبة الجامعيين ، رؤساء العشائر ، الوجوه الاجتماعية ، الشيوخ ، علماء الدين ، وبمشاركة ومباركة القيادة الدينية الحالية بدءا ً بسمو الأمير ومجلسه الروحاني ولجنته الاستشارية المختارة من قبله ...
20 / آذار / 2011