بغداد / حسين حسن نرمو*
نسمع ونرى على أرض الواقع بين الحين والآخر عن افتتاح جامعة هنا وهناك من قبل المسئولين المعنيين سواء ً كانت في عراق المركز أو حتى في إقليم كوردستان ، حتى باتت العديد من الأقضية العراقية تأخذ نصيبها من وجود مثل هذا الصرح العلمي أو على الأقل كُلية من الكليات تابعة للجامعة في المحافظة ، هذا ناهيك عن افتتاح الكثير من الجامعات والكليات الأهلية وفق الضوابط والقوانين في البلد قبل وبعد سقوط بغداد وتوجه الدولة الديمقراطي والفيدرالي ، خاصة ً في المجالات الإنسانية والاجتماعية منها كليات القانون والسياسة على سبيل المثال لا الحصر ، ويجب أن لا ننسى أيضا ً عن افتتاح الجامعة الأمريكية في محافظة السليمانية منذ عدة سنوات ، وكذلك افتتاح جامعات حرة في الخارج بإشراف كوادر تعليمية عراقية على مستوى عال ٍ ربما تكون غير معترفة بها حاليا ً في عراق المركز وكذلك الإقليم منها الجامعة الحرة في الدانمارك وهولندا ، حيث تَخَرَج َ المئات وربما الآلاف من العراقيين الذين انضووا تحت لواءها وحصلوا على شهادات جامعية أولية وكذلك الشهادات العليا ( ماجستير ودكتوراه ) . قبل إبداء الرأي في الانفتاح العلمي من خلال زيادة عدد الجامعات والمعاهد في العراق عموما ً وكما أشرنا ، ارتأينا أن نشير وللأمانة إلى دور الجامعات العراقية القليلة العدد في النصف الثاني من القرن المنصرم تحديدا ً في السبعينات والثمانينات ، حيث كانوا معروفين ليسوا على مستوى العراق فحسب ، بل ذاع صيتهم على مستوى العالم من خلال دورهم في المنظمات الخاصة بالنشاطات العلمية ( اليونسكو مثلا ً ) ، حتى باتت شهادات جامعات العراق ( بغداد ، البصرة ، الموصل ، السليمانية ** وحتى الجامعة التكنلوجية في بغداد ) معترفة ومقدّرة وتتم تعديلها فورا ً في غالبية الدول المتقدمة أثناء التعديل أو الدراسة العليا فيها ، ويجب أن لا ننسى بأن خريجيها ومن ناحية التعين تتم توزيعهم مركزيا ً على الدوائر المعنية وحسب الاختصاص ، أما الأوائل على الكليات يتم تعينهم على ملاك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . لكن وكما هو معروف بأن الحروب تدمر عادة الأخضر واليابس وبعد إقدام النظام البائد عليها ليصبح التحدي والحرب من أولويات برامجه ، مما كان لها تأثير مباشر على الصروح العلمية منها الجامعات لأضعاف دورهم والتراجع علميا ً يوما ً بعد آخر ، ومغادرة أساتذتها العراق للبحث عن ملاذ توفر لهم العيش الرغيد وحتى الكرامة بعد تعرضهم لظروف ومضايقات مادية ومعنوية لا تناسب دورهم الريادي وشخصيتهم المعنوية . في اعتقادي ، وربما يؤيدني الكثيرين من أصحاب الاختصاص طبعا ً ، بأن زيادة الجامعات بهذا الشكل والعدد ، لها تأثير مباشر على ازدياد ظاهرة البطالة وكثرة عدد الخريجين سنويا ً ، حيث تراكم العدد خاصة بعد احتلال الكويت في مطلع التسعينات ، وما ترتب على العراق من جراء ذلك السلوك والتصرف المشين والذي أدى بالبلد نحو الدمار والحصار الاقتصادي الذي دفع العراق ثمنا ً غاليا ً من هدر كافة طاقات الدولة في مختلف المجالات والقطاعات الصناعية والزراعية . نعتقد بأن العراق كدولة عانت وتعاني لحد الآن من سوء التخطيط ، أي أنها لم تولي اهتماما ً جديا ً بالتخطيط كوزارة ولم تكن لديها خطط وبرامج مستقبلية بعيدة المدى للوقوف بشكل جدي على كيفية الإدارة ومن مختلف الجوانب ومنها بالطبع سياسة التربية والتعليم العالي ، قد تكون هذا الإهمال أو اللامبالاة من جراء الحروب التي قامت بها النظام السابق مما أدى إلى ما هو عليه من عدم الاستقرار . لكن في اعتقادي وخاصة بعد سقوط النظام قبل أكثر من سبع سنوات ، كان على الساسة الجدد الاهتمام الجدي بواقع التعليم لا سيما بأن غالبيتهم عاشوا في خارج العراق والكثير منهم في الدول الأوربية والتي من المفروض الاعتماد والاستفادة من تجاربهم . نرى ضرورة أحياء التعليم التقني وتصنيف الطلبة بعد الدراسة المتوسطة وتقيمهم من حيث الدرجات والكفاءة والقدرة وإمكانية الأستمرار بالدراسة في مرحلة ما قبل الجامعة أو الدخول إلى الاعداديات المهنية في مختلف التخصصات الطبية والصناعية بفروعها والزراعية والأدارية بكافة تخصصاتها ، حيث في غالبية الدول هنالك اعتماد كبير جدا ً على الكادر الوسط ( هذا الاعتماد بدأ بها النظام السابق لكن بالأتجاه السلبي وهي التصنيع العسكري وليس المدني ) ، قد يستغرب القارئ الكريم من أن كُل المهن الموجودة وفي غالبية الدول الديمقراطية والتي تتجه نحوها والدول الرأسمالية أيضا ًهنالك اعتماد كُلي على مثل هذا الكادر الحيوي بمختلف التخصصات ، لنضرب لكم مثلا ً ( ذهبت مرة إلى إحدى المذابح في ألمانيا ، رأيت العديد من الشبان الذين يعاونون صاحب المذبحة وحينما سألت صاحبها عن هؤلاء الشباب ، قال بأنهم يعملون ليومين أو ثلاث معه والباقي من الأيام هم في المدرسة المهنية للتعليم ) ، أي ما معناه هنالك مدارس مهنية بهذا التخصص أيضا ً ليتخَرج قصابا ً بالمفهوم العامي لدينا . لذا نرى بأن على الدولة عراقيا ً وكوردستانيا ً الاهتمام بهذا الجانب ومن خلال : ــ
أولا ً : ـ إحياء جميع القطاعات وخاصة الصناعية من المعامل الموجودة أصلا ً مع زيادتها في مختلف المجالات وهذا في تصوري يجب التوجه نحو الخصخصة في هذا المجال ودعم القطاع الخاص مع الاحتفاظ بالإدارة المشتركة للمتابعة وعدم الاستغلال .
ثانيا ً : ـ تصنيف الطلبة بعد الدراسة المتوسطة وكما اشرنا بالاعتماد على الدرجات والمؤهلات التي تؤهل الطالب بالدخول إلى المدارس المهنية أو الاستمرار لمرحلة ما قبل الجامعة .
ثالثا ً : ـ توعية جميع القطاعات الطبية والفنية والإدارية والنقابية والتربوية والتعليمية والشركات ذات القطاع الخاص بالاعتماد على مثل هذه الشريحة من الطلاب وإمكانية تدريبهم أثناء الدراسة قبل التخرج ليتسنى لهم في المستقبل إيجاد فرص العمل لدى هؤلاء وحسب الكفاءة . . .
* عضو مجلس النواب العراقي
** تم نقل جامعة السليمانية إلى أربيل ليتم تغير أسمها إلى جامعة صلاح الدين لأسباب سياسية ، حيث تم إحياء الجامعة بنفس الأسم في مطلع التسعينات من قبل حكومة إقليم كوردستان .