العراق وأزمة الولاء !!!
بغداد / حسين حسن نرمو
تأسست الدولة العراقية على أنقاض إمبراطورية
الرجل المريض بعد الحرب العالمية الأولى بعد أن وَطَدّت بريطانيا أقدامها في الشرق
عامة وكامتداد لإمبراطوريتهم الهندية وفي العراق خاصة ً بعد دخولها من البصرة وباتجاه
الشمال عبر بغداد العاصمة ، ليأخذ هذا الدخول طابع الاحتلال والانتداب فيما بعد ،
ليتحكموا بِكُل شاردة وواردة حتى تمكنوا من تشكيل حكومات متتالية وفق مزاج المندوب
السامي البريطاني ، رغم ظهور قوى معارضة ومناوئة للاحتلال والسياسة البريطانية ،
متمثلة ً بالانتفاضات والثورات ، منها ثورة العشرين على سبيل المثال لا الحصر ...
لذا وربما أراد العرب في تلك الفترة والذين كانوا ينوون الاستقلال أن يقيموا
علاقات مع الدول التي تنافس العثمانيين والأتراك فيما بعد وهي بريطانيا وفرنسا
وآخرين .
تمكن الإنكليز بعد إقناع العراقيين وفق
الآلية المتبعة حينذاك من تتويج الأمير فيصل ملكا ً على العراق ومن كسب البعض
الكثير من المؤيدين إلى جانبه وبأعلى المستويات من شخصيات عراقية أو حتى ضباط سبق
وأن خدموا أيام العهد العثماني ومن أصول عراقية ، لذا بأن البعض من هؤلاء بقوا حتى
أواخر أيامهم يكنون الولاء للسفارة البريطانية في بغداد أكثر مما يكنون الولاء
لعرش العراق ، لا بل وقفوا بالضد من الذين كانوا لهم مواقف من السفارة وضد تدخلها
في شؤون العراق أو من الذين تحالفوا مع جهات دولية أخرى مثل الألمان ضد الإنكليز .
بعد ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبد الكريم
قاسم وقيام النظام الجمهوري ، توالت الولاءات أيضا ً لجهات خارجية ساعدت على تكرار
الثورات والانقلابات مما دفعت الذين حكموا العراق بالحديد والنار بافتعال الأزمات
والحروب ، بدءا ً بالحرب على الأكراد
مرورا ً بقادسية الثمان سنوات أنتهاءا ً باحتلال الكويت وتحدي المجتمع الدولي
بأجمعه ، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية للدولة وتجويع الشعب العراقي جراء
تأثير الحصار الاقتصادي المعروف والقرارات الدولية بعد السيطرة على دولة الكويت
باستخدام القوة والجيش المليوني ، هذا ما فقد النظام المتمثل بالقائد الضرورة
المصداقية لدى القطب الذي حكم العالم بعد أنهيار الإتحاد السوفيتي ، هذا القطب
الذي عمل وجاهد بشتى الطرق على إسقاط قيادة دولة المنظمة السرية وسقوط الصنم في
نيسان 2003 ، ليتم قيادة العراق بعد الاحتلال تحت حكم الحاكم المدني بريمر وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي من خيرة القيادات
المعارضة لنظام صدام سابقا ً ، هنا لا بد من التركيز أكثر على الولاء في الفترة
التي تلت السقوط وبعد التركة الثقيلة التي خلفتها الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة
والتي حكمت العراق ، حيث الكثير من أقطاب المعارضة العراقية ، تعاملوا بشكل أو
بآخر وبشتى الطرق مع العديد من الدول ذات النفوذ من أميركا وأوربا وحتى الدول
العربية والإقليمية ، هذا ما أكدته القيادات والشخصيات العراقية المعروفة ومنهم
مَن تحدث من على شاشة التلفزة بأنه تعامل مع العديد من أجهزة المخابرات الدولية
لأجل إسقاط صدام حسين .
إذن !! وفي مرحلة بعد السقوط تعددت الولاءات
لجهات متعددة ، ربما البعض منها كانت ولحد الآن معهودة أو مفروضة على القوى
السياسية المدعومة من الخارج قبل سقوط النظام مقابل خدمات أو دعم مالي تم قبوله
أثناء فترة المعارضة ، لذا نعتقد بأن المرحلة التي تَمُرُ بها العراق هي من أخطر
المراحل ، حيث كما نعلم بأن الدولة التي تخرج من حرب أو حروب مدمّرة لا يمكن
بناءها دون وجود ولاء لها ، أي الولاء للوطن فقط ... لكن للأسف الشديد وفي الوقت
الحاضر نفتقر إلى مثل هذا الولاء ، في حين توجد الكثير من الولاءات وبقوة في
الميدان السياسي العراقي ، سواءا ً كان هذا الولاء دينيا ً أو مذهبيا ً أو طائفيا
ً أو مرجعيا ً أو شخصيا ً أو قوميا ً أو كتليا ً أو تحالفيا ً أو حزبيا ً ضيقا ً
أو ... أو ... . تاركين الوطن يتألم أكثر
مع الجُرح العميق الذي أصابه منذ تأسيس الدولة العراقية مع توالي الحكومات
والانقلابات والثورات الدموية والمؤامرات والاحتلالات ، لنُسمي كُل مرحلة من هذه
المراحل بالعراق الجديد ، لكن ! أي جديد هذا الذي دمّر العراق كُل مرة ً تلو
الأخرى ، ليُعيد به كُل مرة ًإلى عصر ٍ أكثر َ رِقة ً وعبودية ، لتتأخر الدولة عن
محيطه العربي والإقليمي بعشرات السنين من التطور والتقدم التكنولوجي ، وهذا ما
يأسف ُ عليه كُل عراقي وطني غيور على بلده ولا يملك السُلطة لتغير هذا الواقع .
7 / تموز / 2012