بقلم / حسين حسن نرمو
h.nermo@gmail.com
1. في صيف عام 1984 ، تخرجنا من الكلية في جامعة الموصل / العراق ، حيث العراق آنذاك ، شهد أطول حرب خاضه النظام البائد ضد أيران والمعروف بالحرب العراقية الأيرانية على مستوى العالم ، حسب النظام المعمول به عسكريا ً في تلك الفترة يتم تجنيد الخريجين إلى كلية الضباط الأحتياط في العاصمة بغداد / معسكر الرشيد لغرض أجراء الفحوصات الطبية واللياقة البدنية ، ثم تدريبهم على " المشاة " لمدة ستة أشهر ، يتم تصنيفهم بعد ذلك وحسب الأختصاصات إلى دورات تدريبية أخرى على الصنف لمدة ثلاثة أشهر وزجهم بعد ذلك في طاحونة الحرب التي لم تظهر في الأفق حينذاك نهايته . في نهاية كل دورة ، هنالك حفل تخرج ، يحضر كبار الضباط من مختلف صنوف الجيش العراقي ويحضر أيضا ً ممثلا ً عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية حينذاك ليسمعوا جميعا ً القَسَم " أ ُقسم بالله العظيم .... " الذي يردده الضباط المتخرجين من كل دورة بأن يكونوا أوفياء للعهد الذي قطعوا على أنفسهم لخدمة الوطن .
تسرحنا " خريجي الكليات العلمية " فيما بعد ، بضغط من منظمة اليونسكو العالمية على الحكومة العراقية حينذاك والذي حُدد فترة الخدمة لخريجي الكليات العلمية كما أسلفنا ، لكن للأسف خلال فترة معايشتنا في الخدمة العسكرية والتي دامت ثلاث سنوات ، بأن معظم الضباط إن لم نقل جُلهم وعلى مستوى عال من الرتب العسكرية من الذين عاشرتهم وعن قرب بحكم عملي كمهندس مشرف على المخازن والعجلات المبردة والمجمدة ومعامل الثلج الميدانية في سلوكهم وتصرفاتهم الميدانية لم يكونوا أهلا ً ل " القسم " الذي رددوه وفق المبادئ التي من المفروض السير عليها .
2 . في صيف عام 1988 ، كنت في زيارة عمل ميدانية إلى ناحية العياضية التابعة لقضاء تلعفر للأشراف على طلبة المعهد الفني بعد التسريح من الجيش والعمل في مؤسسة المعاهد الفنية لوزارة التعليم العالي العراقي كتدريسي ، حيث كان تحت أشرافي أحد الطلبة الذي لديه تطبيق عملي في المركز الصحي للناحية أعلاه ، بعد الأطلاع على الحالة التطبيقية للطالب ، كان لا بد من مصادقة رئيس المركز على التقرير المعد من قبلي لتقديمه إلى الجهات ذات العلاقة فيما بعد ، لذا لا بد لي من التعرف على شخصية ذلك المدير والذي كان طبيبا ً من المتخرجين الجدد ، حيث من لكنة اللهجة التي تحدث بها معي ، تبين لي أنه من داخل مدينة الموصل " مصلاوي " ، لكن من خلال حديثه ولحيته الخفيفة ، يشير إلى أنه أسلامي الفكر والتوجه خاصة حينما أقترحت عليه بعد التعارف بمحاولة نقله إلى مناطق أخرى قريبة من مدينة الموصل ، كناحية بعشيقة أو قضاء الشيخان على سبيل المثال لا حصرا ً . لم أكن أتوقع أبدا ً الرد من قبله بذلك الأسلوب الذي لا يليق بمهنته كطبيب فقط ، حيث قال " بأن سكنة المناطق تلك هم أناس يزيديين غير مؤمنين وغيرها من الألفاظ النابية التي لا أود ذكرها ....... " . إذن ! أين هو ذلك الطبيب وربما آخرين كثيرين من الرسالة الأنسانية وفق المبادئ التي تم تدريسها في الكلية على مدار ست سنوات ؟ وأين هو من ذلك القسم الذي ردده بعد التخرج مع زملاءه من أجل أن يكونوا أمناء ، حاملين تلك الشهادات ليتعاملوا مع كل الناس بنفس المستوى ؟ بالطبع حينما عرّفت نفسي له أكثر بأنني أحد ابناء تلك " الأقلية المنبوذة " من وجهة نظره ، كان الموقف محرجا ً جدا ً بالنسبة له ....
3 . الفقرتين أعلاه 1 و 2 ، تحدثنا عن حالتين في الماضي ربما البعيد ، لكن المرحلة الأهم بالنسبة لنا هي " الحاضرة عراقيا وكوردستانيا ً " بعد التغير الذي حصل بزوال النظام البائد عن كاهل الشعب العراقي بعربه وكورده وأقلياته .
عراقيا ً : بعد التحرير أو الأحتلال ، شُكل مجلس الحكم ، أ ُجريت أنتخابات ، دخلوا النواب البرلمان ، شُكلت حكومات وفق مبدأ المحاصصة أحيانا ً وبالتوافق أحيانا ً أخرى حسب رؤية القائمين على الحكم في العراق ، أبتعد البعض من التيارات والأحزاب عن العملية السياسية خلال الخمس سنوات بعد التغير غير راضين لا بل البعض معترضين اساسا ً على الدستور العراقي الذي أجتاز الأستفتاء وسط صعوبات جمة . إذن خلال الفترة الماضية والتي تجاوزت نصف عقد من الزمن على النظام الجديد في العراق نحو الديمقراطية ، برزت على الساحة الكثير من الشخصيات سواءا ً كانوا رجال دين أو رؤساء أحزاب مع قياداتها ، تم أختيار الكثير من منهم ليصبحوا نوابا ً في البرلمان ووزراء في الحكومات المتتالية ، بدءا ً من حكومة الدكتور علاوي مرورا ً بحكومة الدكتور الجعفري أنتهاءا ً بالحكومة الحالية التي يقودها المالكي ، لكن للأسف كان هنالك اختراق للبرلمان والحكومات بمؤسساتها من قبل أناس معادين أصلا ً للعملية السياسية والتغير الذي حصل في العراق ، نعتقد بأن هذه الظاهرة موجودة لحد الآن لم يتم معالجتها رغم المحاولات ، بل تم التعامل معها على اساس مبدأ المساومة بين الأطراف السياسية في الساحة العراقية الحالية " هذا عائد إلى فلان والآخر إلى علان وهكذا ... " . أكثرية الذين تسنموا المناصب وفق " قسم " مرسوم لهم يرددوها على أن يكونوا أوفياء ، أمناء على الوطن الجريح ، لكن حالما أستلموا مناصبهم ، تم أستغلال صلاحياتهم بالأنحراف عن الخط العام والمبادئ التي طالما تشدقوا بها أمام الملأ ، لذا وعلى اثر ذلك شُكلت لجنة النزاهة بفروعها ، لكنها ربما توفقت في عملها وفي بعض الحالات على مستوى الأدارات المحلية في المحافظات فقط ، أما على مستوى الحكومة المركزية في بغداد ، لم توفق في عملها ربما نتيجة التهديد والوعيد من الأرهاب والأرهاب المضاد ايضا ً ... يا ترى ! هل أوفوا بالقسم الذي رددوه ليتعهدوا أخوتهم العراقيين أن يكونوا أوفياء لهذا الوطن الذي شاء قدره أن يكون ويبقى جريحا ً نتيجة مغامرات الذين حكموه منذ تأسيس الدولة على مدار تسعة عقود من الزمن ؟
كوردستانيا ً: بعد أنتفاضة آذار المباركة عام 1991 ونتيجة مغامرات النظام البائد باحتلال الكويت ، حصل الكورد على منطقة آمنة بقرار دولي ، ليتنفسوا الصعداء بعد رحلة طويلة من النضال ضد الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة التي حكمت بالحديد والنار العراق ، تم أنتخاب أول برلمان كوردستاني في مايو 1992 ، لتتوالى تشكيل حكومات ، موحدة تارة وأحادي القطب تارة أخرى في اربيل والسليمانية خلال عقد ونيف من الزمن ليتم تعين اعضاء البرلمان من الحزبين الرئيسيين والأحزاب الأخرى وكذلك الوزراء من اكثرية التنظيمات والتيارات الموجودة في كوردستان الوطن ، معظمهم رددوا " كليشة القسم " أمام المنابر الرسمية والشعبية أيضا ً ، ليكونوا عند حسن ظن مسؤوليهم والمواطنين ، لكنهم ابدعوا في مجال الفساد الأداري والمالي أكثر حتى من أن يكتسبوا الخبرات في المجال الذي عملوا فيه ، هنالك مَن فشلوا في مهامهم أيضا ً . فيا ترى ! كم من هؤلاء الفاشلين في المهام المرسوم لهم أبدوا أستعدادهم بالتنازل عن مناصبهم أو قدموا أستقالاتهم لأعطاء المجال لآخرين أكفاء أكثر منهم ؟ هذا ناهيك عن الكثير من المسؤولين الحزبيين أو حتى الأداريين الذين قدموا تعهدات أو حتى أقسموا ب " دماء الشهداء " من خلال خطبهم الرنانة أمام الجماهير ، بأن يعملوا ما في وسعهم للدفاع عن حقوق المظلومين ، المناضلين وكذلك الشهداء الذين سقوا بدماءهم أرض كوردستان الطاهرة من أجل المبادئ التي آمنوا بها لتحرير كامل الأراضي المنتزعة من كوردستان ، ليعم الديمقراطية في أرجاء البلاد . لكن للأسف والظاهر للعيان بأن التعهدات تلك صبت وتصب في خانة المصالح للذين ساروا عكس تيار التحرر والديمقراطية . وإلا ! ماذا يفسر بأن هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس القريب في خانة العداء للحركة التحررية الكوردستانية ، ليصعدوا الآن على أكتاف المناضلين وعلى حساب دماء شهداءنا الأبرار بعض المناصب المهمة ، سواءا ً كان على مستوى عراق المركز أو كوردستان أيضا ً ، البعض الكثير منهم مقرّبين من " قيادتنا المناضلة " ، يستلمون بين الحين والآخر المكارم من لدنها من السيارات الفارهة وعشرات الآلاف من الأوراق الخضراء ؟ حتى بات في الفترة الأخيرة يقضون هؤلاء استراحتهم مع العوائل في نعيم أوربا على حساب الميزانية المفتوحة !!
إذن ! هل هؤلاء الذين يمنحون الفرص لهؤلاء ..... هم فعلا ً أهلا ً للثقة الممنوحة إليهم من مواطنيهم ؟
هل أعطوا القيمة الحقيقية للقسم أو التعهد الذي رددوا ويرددون أمام الجهات الرسمية أو الشعبية من خلال خطبهم كما أسلفنا ؟
هل نحن في حاجة إلى القسم والتعهدات أصلا ً في مثل هذه الظروف التي تكون العلاقة مبنية على الثقة المتبادلة ، حتى لوكان الطرف الآخر هو المعادي ؟
أليس القسم سيكون حملا ً ثقيلا ً على كاهل المتدّينين من هؤلاء في دنيا الحاضرة والآخرة ؟
هذا ما أردنا أن نختتم مقالنا هذا ...
المانيا في
التاسع من مايو 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق