ألمانيا / حسين حسن نرمو
قديما ً ومنذ الأزل ، كانت الألقاب تُطلق على حامليها وفقا ً لأوامر إلهية حسب رؤية الأديان أو بشرية ، بدءا ً من الأولياء والأنبياء والرسل وحتى الابن ل ( الله ) ، وكذلك لقب الخليفة أو أمير المؤمنين والإمبراطور والسلطان وأصحاب الجلالة " الملوك " وسمو الأمراء والقواد منها الضرورة والدكتاتور ، وانتهاءا ً بالألقاب الحديثة التي أطلقت ولا تزال على الرؤساء والمسؤولين الدوليين ، ليتم تسميتهم بها أو يُسَمون أنفسهم في ظل الأنظمة التي تسير بالأوامر التي تًصدر بتواقيعهم ، وأحيانا ً يكون اللقب بناءاً على إلحاح وتدخل من الشعب ، وسرعان ما ينقلب الشعب نفسه على صاحب اللقب فيما بعد مثلما حصل ويحصل باستمرار في غالبية الدول الشرق أوسطية ، التسميات عادة ً كانت وفق ظروف زمانية ومكانية معينة ربما اقتضت الضرورة لإطلاق البعض من هذه التسميات التي ذكرناها حسب وجهة نظر القائمين على السلطات .
معظم حاملي هذه الألقاب الآنفة الذكر ، لم يلتزموا بالحدود المرسومة لهم وفق قواعد التسمية أو حتى القوانين الخاصة لبعض الألقاب حديثا ً ، متجاوزين القيم والمبادئ التي من المفروض الالتزام بها ، سواءا ً كانوا هؤلاء خلفاء أو حتى أمراء المؤمنين وهكذا الآخرين والذي وصل التجاوز " الذروة " في عهد بعضهم وفي كافة المجالات من البذخ والترف والتبذير والفتح والقتل والتدمير و ... و ... . وانتقل المرض عبر المراحل التاريخية إلى الكثير من دكتاتوريات الأمس القريب واليوم ، وحتى بعض القادة الضروريين وفق متطلبات العصر الحديث . قيل قديما ً أيضا ً بأن المناصب والأموال لا يعتمدون على مقاييس وحدود معينة عند تسنم المنصب وامتلاك الأموال ، حيث حينما يكون الإنسان في منصب معين أو يمتلك أموالا ً معينة ، يرى بأنه يستحق منصبا ً أعلى ، ويتمنى بالمزيد والمزيد من الأموال ، أو يحاول بشتى الوسائل الحصول عليها حتى لو كانت بطرق غير مشروعة مستغلين مناصبهم أو القابهم ... البعض من هذه الألقاب بقيت إلهية الذكرى والبعض الآخر تاريخية المصادر بشهادة مؤلفيها المعاصرين وغيرهم ، منهم تعرضوا للانتقاد اللاذع تارة ً وللمدح المفرط تارة ً أخرى وفق السلوكيات والتصرفات في أزمانهم ومكانهم . لذا نرى بأن غالبية العصور التي انقضت ، بالأوامر التي صدرت ، بالعمليات التي نُفذت ، كُل الغنائم التي جُمِعَت وفق " نظرية الحق الإلهي المقدس " ، بالدماء التي سُفكت ، بالناس التي قُتِلت وشُوِهت بالسلاح القديم والحديث ، وللأسف نقول بأن هذه النظريات ما زالت قائمة ويتم تطبيقها عمليا ً على أرض الواقع ضد شعوب المعمورة في الكثير من البلدان التي تُقدس لحد الآن ( دكتاتوريات الألقاب ) تحت شعارات زائفة لا يمكن القبول بها في الوقت الحاضر طبقا ً لكافة لوائح الدفاع عن حقوق الإنسان في مجمل المنظمات الدولية التي تهتم بهذا الشأن ، حيث بدأت العد التنازلي لسقوط أعتى هذه الدكتاتوريات .
لكن الأهم من ذلك والذي نود الإشارة إليه هو ... هل أن الممارسة الديمقراطية الحديثة بعد سقوط الألقاب هي كما يجب وأن تكون وفق قواعد الديمقراطية الصحيحة لا سيما في بلداننا الشرقية ، سقوط بغداد نموذجا ً ؟ نقول بأن التصرف والسلوك في أكثرية البلدان المتحررة ومنها العراق طبعا ً بعد السقوط خليط من السلوك أو التصرف السابق وكذلك الطموح اللاحق لتطبيق الديمقراطية ، أما بالنسبة لنا في العراق الحديث خصوصا ً ، وبعد سقوط بغداد واحتلال العراق بشكل عام من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة بريطانيا وبداية الممارسة الفعلية لمشروع الديمقراطية الطازج جدا ً ، فالمشروع وحسب الرأي العام هو دون المستوى المطلوب متأثرين بشكل أو بآخر بسلوكيات وتصرفات الدكتاتوريات التي حَكَمَت العراق مئات لا بل آلاف السنين . العراق بعد السقوط والاحتلال والتغيير الجديد والدستور الجديد والذي يقول بأن العراقيون متساوون أمام القانون ودون تمييز وفق المادة 14 منه عملا ً بمبدأ المساواة بين المواطنين ، لذا نرى بأن الألقاب الموجودة حاليا ً لتسمية المسؤولين الكبار في الدولة " فخامة ، دولة ، معالي وإلى آخره من التسميات " هي منافية لمبدأ المساواة بين المواطنين ، في حين تخلت الكثير من الدول الديمقراطية عن مثل هذه الألقاب مُكتَفين بكلمة السيد ليتقدم بها أسماء كُل الناس بدءا من الرئيس ولحد المواطن البسيط ، حيث نعتقد بأن الألقاب لها تأثير مباشر على شخصية الإنسان ، ليخرج عن حدود مسؤولياته ، ويرى نفسه شخصا ً فوق العادة بعد تسنم المنصب مع اللقب ، ليتم التعامل مع المواطنين العاديين من موقع محدّد وذات مسافة معينة بينه وبينهم ، وكذلك استغلال صلاحياته في الانحراف عن المسار العام والدخول مجبرا ً أحيانا ً وفي أكثر الأحيان بشكل طوعي في عالم الفساد المالي والإداري ونعتقد بأن ملفات الفساد التي ظهرت في ميادين وساحات العمل السياسي في العراق من أكثر الدلائل والشهود العصرية لما ذكرناه .
29 / 08 / 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق