النائب / حسين حسن نرمو
تُدرج الصحافة في خانة السُلطات ، لتأخذ تسلسلا ً رابعا ً بعد سُلطات التشريع والتنفيذ والقضاء ، هذا وفق ما وُصف عالميا ً وكذلك المعروف والمتداول عمليا ً على أرض الواقع ، بالتأكيد هذا التسلسل لم يأتي بشكل إعتباطي وإنما للدور الذي بذلته العاملين في مجال الصحافة والإعلام في مجمل الأحداث العالمية قديما ً وحديثا ً إلى أن حصلوا على هذه الميّزة ، بحيث تمكنت هذه السلطة في التأثير وتصحيح مسار الكثير من السُلطات التنفيذية على مستوى العالم أجمع .
كما هو معروف أيضا ً بأن الصحافة هي مهنة المتاعب وقدمت الكثير من الضحايا في تغطية الأحداث ، خير دليل على ذلك بأن الصحافة في العراق وبعد سقوط بغداد قدمت مئات الشهداء من الصحفيين والإعلاميين وحتى المصورين . نظرا ً لأهمية مكانة الصحافة والإعلام ودورها المتميز كما أسلفنا ، لذا من المفترض والضروري جدا ً أن يكون العاملين في هذا المجال مهّنيين جدا ً لتحافظ الصحافة على دورها ومركزها في الريادة كسلطة رابعة للتأثير دائما ً في ميادين السياسة عالميا ً .
عراقيا ً وبعد سقوط بغداد والتوجه العام نحو الديمقراطية كدولة إتحادية برلمانية وفق قواعد الدستور ، لذا نرغب بالتركيز هنا على محورين مهّمين جدا ً مشتركين بين الجهة التشريعية العليا في الدولة كمجلس النواب والكتل السياسية من جهة ، والصحافة الحرّة من جهة أخرى والتي برزت في الساحة السياسية العراقية بعد رحيل النظام الشمولي الدكتاتوري ...
المحور الأول ... هوالتصريحات الإعلامية للسادة أعضاء البرلمان شخصيا ً وبشكل عشوائي غير مدروس وغير مبرمج وفق مزاجيات الأعضاء نفسهم أحيانا ً كثيرة والذي يدلي بتصريح كرّد فعل ٍ لمداخلة منه في موضوع ما في جلسة البرلمان الأعتيادية وحينما لا يستقبل ردّا ً إيجابيا ً سواءا ً من هيئة الرئاسة أو التأييد داخل قبة البرلمان يتوجه إلى المركز الإعلامي والإدلاء بما يرضي مزاجه ، أحيانا ً أخرى يكون التصريح ذات توجيه خاص من الكتل السياسية أيضا ً ، مما تسبب مثل هذه التصريحات نشوب خلافات بين العراق ككيان دولة وأطراف ٌ أخرى أقليمية ودولية ، هذا ناهيك عن نشوب خلاف بين الأطراف الداخلية أصلا ً والمشتركين في العملية السياسية وكذلك بين العراق كمركز وأقليم كوردستان أيضا ً .
هذا النظام أو السلوك في التعامل مع الصحافة والذي يكون أحيانا ً كثيرة سلاح ذو حدّين وغير موجود في برلمانات غالبية الدول الديمقراطية الرصينة قديما ً وحتى حديثا ً ، حيث هنالك هيكلية معتمدة لدى الكُتل النيابية في البرلمانات العالمية بالإعتماد على ( الناطق الإعلامي ) بإسم الكتلة أو أية جهة سياسية في البرلمان والذي له حق التصريح في الإعلام بإسم الكتلة أو الحزب أو التجمع تحت قبة البرلمان ، حتى اللجان البرلمانية لديها مَن يتحدّث بإسمها أمام الصحافة فيما يتعلق الأمر بالعمل أو التخصص داخل البرلمان .
لكن في العراق هنالك تجاوز في التصريح على الناطق نفسه من قبل البعض من النواب في هذه الكتلة أو تلك ، بحيث يستغرب الناطق من بعض التصريحات التي كان الأولى به في النطق بمثلها ، هذا بحق مهزلة في تاريخ الديمقراطية ، لا والأنكى من ذلك ، سرعان ما يركض النائب المصرّح وراء الصحفي أو مراسل الصحيفة أو القناة الفضائية ليدلي بتصريح آخر يتناقض مع ما أدلى به من آراء قبل ساعات معدودة ، ليُصبح في اليوم الواحد أزدواجي الراي ، لا بل يضطر أن يَكذِب نفسه بنَفسِه وهذا طبعا ً بناءا ً على الأوامر أو التوصيات أو ضغوط وأحيانا ً تهديد من مراجعهِ العليا والذي يعمل تحت لواءها .
المحور الثاني ... والذي يتعلق بأخلاقية المهنة ومدى الألتزام بها من العاملين في مجال الصحافة والذي للأسف نقول بأن هنالك الكثير منهم جاءوا بشكل أو بآخر للعمل في هذا الميدان ، حيث دخلوها ربما للحصول على المال بأي ثمن للظروف الأقتصادية التي مرّت وتمر بها العراق بعد رياح التغيير الذي أطاح بالحُكم في بغداد أولا ً قبل الربيع العربي ، لذا نرى بأن البعض من هؤلاء الذين يعملون وكأنهم مكلّفين بتحوير التصريحات والحقائق التي يدلي بها السادة النواب في البرلمان العراقي سواءا ً بإسلوب الكتابة على شكل ملاحظات من قبل الصحفي أو حتى عبر آلات التسجيل الصوتي وكذلك أسلوب الأتصالات الهاتفية المعمول به كثيرا ً في المرحلة الراهنة ، حيث نرى بأن هنالك بونٌ شاسع وأحيانا ً عكس ما يتم التصريح أو الإدلاء به من قبلنا كنواب ، لا بل نرى من على شاشات التلفزة لهذه القناة الفضائية أو تلك وعلى شكل مانشيت طويل وعريض منسّب بإسم النائب وعكس ما أدلى به ، هذا ما نأسف عليه حقا ً لتشويه الحقائق أو نقلها عكس الوقائع ، قد يجوز بأن ناقل الخبر الصحفي يخدم الجهة التي كلفته ، لكن في الوقت نفسه لا يخدم الرسالة التي من أجلها دخل المهنة وبالتالي يخون قسم المهنة أيضا ً ، حيث من المفترض ومن خلال عمله هذا أن يخدم بلده الجريح جدا ً ، هذا البلد والشعب المغلوب على أمره عانى ما عانى تحت حُكم الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة ، هذا البلد والشعب أصبح ضحية المؤامرات والتصفيات السياسية والإرهاب المنّظم ، حيث قلما يمر يوم ٌ هادئ بدون إراقة دم وتدمير كَمٌ من المباني . لذا هنا ، لا بُد من توجيه كلمتنا الأخيرة لزملائنا النواب أولا ً حول الألتزام بالتصريح الذي يخدم البلد والمواطن وكُل ٌ حسب إختصاصه وإعطاء الفرصة للناطق الإعلامي الأدلاء بالتصريحات المهمة والتي تمس السياسة العامة لكُتلته أو حزبه ، وكذلك كلمتنا للأخوة العاملين في السُلطة الرابعة أن يكونوا وطنيين بِكُل ما تحمل كلمة الوطن من معنى ، لا أن يكونوا عنصريين أو طائفيين أو مذهبيين أو قومجيين أو حزبيين أو ... أو ... وأخيرا ً مهنيين في ( الصحافة وكما يجب أن تكون ) .
26 / 10 / 2011
h.nermo@gmail.com
www.hnermo.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق