المنظمات الإنسانية ــ وــ المنظمات الحزبية
!!!
حسين حسن نرمو
بعد الانتفاضة الآذارية عام 1991 والمفاوضات
مع الحكومة المركزية حول مصير كوردستان ، تلتها سحب الإدارات الحكومية العراقية من
مناطق كوردستان نهاية العام نفسه ، اقتضت الضرورة حينذاك تنظيم انتخابات في 19 / 5
/ 1992 وتشكيل الحكومة فيما بعد بالمناصفة بين الاتحاد الوطني والديمقراطي
الكوردستاني ، مما خلق نوع ربما كان غريبا ً في الأنظمة الديمقراطية حيث كانت
الإدارة مشتركة مع الحزبا يه تي للنخاع من الفوق وصولا ً الى التحت ، أي تدخل
الأحزاب كان واضحا ً جدا ً في عمل الإدارات ، بدءا ً من الوزارات وانتهاءا ً بآخر
وأصغر دائرة ، بحيث كان تأثير التدخل سلبيا ً على عدم تكوين أو إنشاء نظام مؤسساتي
سليم في إقليم كوردستان ولحد الآن ، رغم مرور ما يقارب الربع قرن من الزمن على
التجربة ( الديمقراطية ) ، وربما كانت هذه التجربة فريدة على مستوى الشرق الأوسط
بعد إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة إلى حد ٍ ما حينذاك باعتراف المراقبين
الدوليين ... بعد أحداث عام 1994 والإدارتين للحزبين الرئيسيين في السليمانية
وأربيل ، لم يتمكنوا من مكافحة هذه الظاهرة غير الشرعية وفق المنظور الديمقراطي
الدولي ألا وهو التدخل الحزبي في الإدارة ،
بعد توحيد الإدارتين مرة ً أخرى ربما حاول المسؤولين الإداريين أو القادة
الحزبيين في مكافحة هذه الظاهرة ، لكن لم يفلحوا أو لم يكونوا جديين في العمل
مفضلين المصالح الحزبية الضيقة على النظام المؤسساتي في الإدارة والذي أصبح للأسف
ضحية مثل هذه التدخلات غير المبررّة على الأقل وفق النظام الديمقراطي السليم ...
خلال إحدى اللقاءات مع السيد مسعود البارزاني
رئيس إقليم كوردستان العراق في مصيف صلاح الدين ، أكد لنا ( كممثلين للإقليم في
بغداد ) ، بأنه أي السيد البارزاني ألتقى مع وزراء حكومة الإقليم وبلغهم بالحرف
الواحد ( بأنه أي وزير في الكابينة يعمل لصالح حزبه الأولى به أن يترك الوزارة
لغيره الأكثر مهنيا ً ) ، لكن في تصوري كان هذا كلاما ً وتبليغا ً لم يلتزم به
طاقم الوزارات لحد الآن ، والكلام للأسف لم
يرى النور رغم مرور أكثر من خمس سنوات عليه ، لكن لو كان هذا بصيغة مشروع قانون أو
مقترح أصلا ً من رئاسة الإقليم إلى البرلمان ، لتشريعه وثم تصديقه من قبل رئيس
الإقليم ونشره في الجريدة الرسمية ، ليدخل بعدها حيز التطبيق والتعميم على كافة
الدوائر وإعطاء صلاحيات للجهاز البوليسي فقط لمحاسبة المقصّرين ويجب أن يكون هذا
الجهاز مدعوما ً أكثر من الأجهزة الأمنية المحسوبة ، لو حصل هذا ربما رأينا النظام
المؤسساتي في طريقه إلى التطبيق الفعلي ...
هذا المرض للأسف أي ( التدخل الحزبي ) ، أنتقل
إلى مؤسسات أخرى ، منها المنظمات الانسانية لا سيما بعد احتلال داعش لمحافظة نينوى
ومناطق سهل نينوى ( قضاء شنكال وتلكيف والحمدانية ومناطق بعشيقة وبحزاني ) ، نعم
دخلت الأمم المتحدة بكافة منظماتها الإنسانية الخاصة بالإغاثة أولا ً ، وربما في
المجالات الأخرى ساحة إقليم كوردستان بعد النزوح المليوني إلى الإقليم من نينوى
وحتى من محافظات أخرى ، في البداية نزحوا أكثر من 90 % من المكون الأيزيدي وتقريبا
ً جُل أبناء المكون المسيحي ومن الشبك والكاكائيين أيضا ً من محافظة نينوى وسهلها ،
هؤلاء جاءوا الى مناطق مختلفة من كوردستان ... نعم الأمم المتحدة قدمت وحسب طاقتها
المساعدات الإغاثية ، لكن بِحُكم الواقع الموجود ، خُضِعت هذه المنظمات إلى النظام
الإداري في المحافظات وتحت لواء قائمقاميات أو حتى نوابين للمحافظ ، والذين هُم
بالأصل حزبيين حتى النخاع ولم يتحرّروا لحد الآن من ممارسة التحزب في الإدارة ،
ليبدؤوا وفق المزاج المعمول به سابقا ً من التدخل في عمل هذه المنظمات الإنسانية ،
ليتم وضع الشروط الميدانية وتخصيص المئات لا بل الآلاف من حصص المواد الغذائية وأشياءا
ً أخرى والمخصصة أصلا ً للنازحين والذين لا حول لهم ولا قوة ً ، هكذا تم ويتم لحد
الآن تحريف مسار التوزيع إلى المزاجيات لا بل الفساد والسرقة بأساليب ديماغوكية
محكمة ، وربما تم تعليم القائمين على المنظمات من المدراء والموظفين ، والبعض
الكثير منهم أيضا ً حزبيين إلى الانحراف عن الخُطط ، لتفوح منها رائحة الفساد بمبالغ طائلة ، وهذا
لم يكن مقتصرا ً فقط على المواد الغذائية ، وإنما مستلزمات منزلية أخرى أكثر قيمة
منها الثلاجات والمبردات ، ليحصل صفقات وحالات فساد بتحويل الآلاف من هذه القطع
والمواد إلى مسارات أخرى ، ربما تم بيعها في مزادات أخرى بعيدا ً عن المخيمات وهذا
ما ناسف عليه ... هكذا وصل الأمر طبعا ً
إلى اللجان الحزبية والمنظمات الفرعية التابعة والتي لا تتردد في التدخل ، لا بل
يشترط التوزيع في مقارها ، وهم يتحكمون ويضغطون على المنظمات بشكل أو بآخر ، للعمل
بنظامهم وتقديم قوائمها بالأسماء المشكوكة والوهمية والمبالغة فيها بالزيادة ، لا
بل دخول أسماء الكثير ، وربما جُل كوادرهم الحزبية وبيشمه ركه المقرات ومنهم
وهميين وليسوا من أصل المنطقة ولا يستحقون مثل هذه المساعدات ، لا بل تسجيل أسماء
من مناطق أخرى وبعيدة وبأعداد كثيرة للاستفادة وعلى حساب العوائل النازحة ...
لا أدري ربما الأمر يختلف في مناطق أخرى ،
لأن حينما جاءتنا منظمة تحت يافطة ( ريكخراوى ئازادى هاوكارى دانماركى ) من محافظة
السليمانية إلى مناطق سهل نينوى ، حيث سبق وأن أوصلت نفس المنظمة المواد الغذائية
وبكميات كبيرة مشكورة إلى جبل شنكال
ومناطق أخرى ، وبعد جهود وتدخلات مضنية من القيادة السياسية للاتحاد الوطني لتسهيل
مهمة إيصال هذه المواد عبر السيطرات الكثيرة جدا ً من السليمانية إلى شنكال ، نعم
نفس هذه المنظمة والمحسوبة بشكل أو بآخر على السليمانية ، اشترطت علينا توزيع
السلات الغذائية بعيدا ً عن المقرات الحزبية ، وحاولنا طبعا ً بجهود الخيريين
أيجاد مواقع عامة ومحايدة للتوزيع في قضاء بردرش ومجمع مهد ... هنا طبعا ً وخلاصة
القول أناشد الجهات المعنية ولا سيما رئاسة إقليم كوردستان العمل الجاد والمهني من
أجل إيقاف التدخل والتداخل الحزبي مع الإدارة في إقليم كوردستان ، كي يجد النظام
المؤسساتي الطريق إلى التطبيق ، هنا أقصد جُل مناطق الإقليم ، حيث للأسف مر ّ
الكثير والكثير على تجربة إقليم كوردستان ( الديمقراطية ) وما يقارب ربع قرن ٍ من
الزمن ، وأمل المواطن الكوردستاني أن يرى هذا النظام يدخل حيز التطبيق ، ليرون بأم
أعينهم نوعا ً من العدالة الاجتماعية تسود بين أبناء هذا المجتمع الكوردستاني
بكافة مكوناته في المستقبل القريب بعيدا ً عن المحسوبية والمنسوبية والواسطجية
....
قرية النصيرية في
14 / 6 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق