الاتحاد الوطني الكوردستاني بعد مام جلال !!!
حسين حسن نرمو
مام جلال ، الذي دخل معترك السياسة مبكرا ً جدا ً ، وهو في مرحلة الصبا ، بعد انتماءه إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردي عام 1947 ، ليصبح قياديا ً في الحزب ، وهو لم يتجاوز العقدين من عمره ، أنشق مع قياديين بارزين من المكتب السياسي للديمقراطي عام 1964 برئاسة إبراهيم أحمد ، وهو في بداية الثلاثينات ، في بداية الأربعينيات من عمره ، تحديدا ً في عام 1975 ، بعد اتفاقية الجزائر ونكسة الأكراد حينذاك ، تمكن من توحيد التيارات السياسية الثلاث ( جمعية الشغيلة ، الحركة الاشتراكية والخط العريض بقيادته ) ليولد الاتحاد الوطني الكوردستاني في 1 / حزيران / 1975 ، خلال عقد و نيف من النضال السياسي والعسكري في الجبال الكوردستانية مع رفاقه المناضلين القدامى من مختلف المكونات ومنهم الأيزيديين أيضا ً ، تمكن مام جلال وهو على رأس الاتحاد الوطني من وصول حزبه إلى المنافسة مع الديمقراطي الكوردستاني ، حيث خلال فترة نضال الاتحاد القصير ، مقارنة ً مع الآخرين وخلال الانتخابات المصيرية 19 / 5 / 1992 بعد الانتفاضة والهجرة المليونية ، تم تشكيل أو حكومة كوردستانية بالمناصفة مع الديمقراطي الكوردستاني ، ربّما كانت خطوة ال ( ففتي ـ ففتي ) ذات أثر سلبي ورجعي على إقليم كوردستان عانى منها ولحد الآن ...
لكن ! الكلام ينطبق على المستوى الذي وصل الاتحاد الوطني بقيادة مام جلال ، حيث أصبح ال ( مام ) من الشخصيات المعروفة على مستوى ال ( سوسيال ـ ديمقراط ) ـ الاشتراكية الدولية ...
بعد سقوط بغداد وتغيير العملية السياسية في العراق نحو الديمقراطية ، ثم وصول حاكمين مدنيين ، الأول ( جي كارنر ) والذي لم يقاوم ، حيث سرعان ما تم تغيره من قبل الأمريكان ، ربّما لصداقته الحميمة مع الأكراد ... لكن ! الثاني ( بول بريمر ) ، بقي عاما ً كاملا ً في العراق لقيادة العملية السياسية تحت الاحتلال ، حيث صدر له كتابا ً بعنوان ( عامي في العراق ) حول تلك الأحداث في فترة مجلس الحكم الانتقالي ، حيث وصف بريمر كُل القادة العراقيين العرب ( الشيعة ـ السنة ) ، الأكراد والآخرين في كتابه وعلى حد قوله لم يكن راضيا ً حول أدائهم حينذاك على الأقل في خدمة العراق ك ( وطن ) ... في مجلس الحكم الانتقالي ، كان للكورد حصة لقيادته ( شهريا ً ) لكل عضو فيه ، مما كان للخالد مام جلال دورا ً رياديا ً فيه ، ربمّا بتقديم وثائق تاريخية قديمة حول كوردستانية كركوك والكثير من المناطق المتنازعة عليها ... هكذا وبعد توزيع الأدوار السياسية وفق مبدأ ( المحاصصة المقيتة ) وبعد حُكم بريمر ، كان للأكراد حصة رئاسة الجمهورية ، ليصبح مام جلال أول رئيس عراقي كوردي ، حيث بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء ، كان دوره خلال فترة حكمه دورا ً رشيدا ً في القيادة ، حيث كان مشهودا ً ب لملمة العراقيين المختلفين على طاولة واحدة ، ولمرات كثيرة للحوار وحلحلة القضايا العالقة بين كافة الأطياف من الشعب العراقي ، حيث بات معروفا ً لدى القراء الأعزاء المهتمين بالشأن العراقي ، بأن الرئيس مام جلال ، وُصِف من قبل الشخصية الدينية المعروفة آية الله السيد علي السيستاني بصمام الأمان في عراق ما بعد صدام ، لدوره المتميز في قيادة البلد ...
ربمّا ، أستفاد العراقيون من تبووأ مام جلال رئاسة الجمهورية في الكثير من المواقف الوطنية لسيادته بدون تمييز ، كذلك أستفاد مام جلال كشخص أيضا ً في هذا المنصب المغري، خاصة حينما يكون أول كوردي ، يعتلي كُرسي الرئاسة في العراق ، يجب أن لا ننسى بأن صدام حسين الرئيس العراقي الأسبق ، أعفى عن كُل الأكراد أبان حُكمه ، استثنى من العفو فقط شخص جلال الطالباني حينذاك ، وها الأخير أعتلى الكُرسي والذي كان يوما ً ما صدام يشغله لفترة ما يقارب الربع قرن من الزمن ...
لكن ! فيما يخص الاتحاد كحزب ، نعتقد ، وربمّا يؤيدني الكثير من الكوادر الحزبية ، بأننا خسرنا شخصا ً مثل الأمين العام للاتحاد الوطني الكوردستاني وأثناء فترة إنشغاله رئيسا ً لجمهورية العراق ، ربمّا لأكثر من سبب ، منه تواجده شبه الدائم في بغداد ، وبقاءه متعلقا ً بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الاتحاد الوطني في نفس الوقت ، لذا وفي الفترة الحساسة ، التي كانت تمر بها العراق بعد عام 2005 ، وانشغاله المستمر في إدارة العراق الجديد المليء بالمشاكل والخلافات السياسية والدينية والطائفية والقومية ، هذا ناهيك عن تعرض العراق إلى حملة شرسة من الإرهاب ، عمليات القتل على الهوية ، التصفيات المستمرة للفرقاء السياسيين فيما بينهم بأسلوب أو بآخر ، منها الاستعانة بالآخرين من الإقليميين ... كُل هذا ، كان شخص مام جلال مضطر التواجد في بغداد ، انصب كُل جهوده لتصفية وتنقية الأجواء والخلافات المستمرة بين الفرقاء ... والسبب الآخر ، والمؤثر على الاتحاد الوطني ، هو عدم تشخيصه قيادي آخر في مكانه بكامل الصلاحيات ، سواءا ً كان بالاتفاق ، أو حتى عقد كونفرانس مصغر ( بلينيوم ) ، لأنتخاب بديل عن مام جلال لقيادة الاتحاد ، وكما يجب أن تكون ... يجب أن لا ننسى ، سواءا ً خلال فترة بقاء مام جلال وهو في رئاسة الجمهورية وبكامل صحته ، أو بعد مرضه المفاجئ قبل خمس سنوات وإلى ما بعد منتصف عام 2014 ، خلال تلك الفترة ، حدثت الكثير من الخلافات بين الأقطاب الرئيسية للاتحاد الوطني والمتمثلة بِعِدة أجنحة ... منها جناح عائلة مام جلال المتمثل ب عقيلته السيدة هيروخان عضوة المكتب السياسي ونجليه ها ، أحدهم ( قباد ) نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان ، والثاني ( بافل ) كان وربمّا لحد الآن على رأس جهاز مكافحة الإرهاب التابع ل الاتحاد الوطني ، وأولاد أخيه ( نقصد مام جلال ) والذين برزوا في ساحة العمل السياسي والعسكري السيدان ( لاهور وآراز شيخ جنكي ) .. من الجدير بالذكر ، بأن الطاقات الشابة أعلاه ، أثبتت حضورها ودورها في إدارة العديد من الملفات السياسية على مستوى العلاقات مع التحالف الدولي والدول الخارجية ، هذا ناهيك عن دورهم على المستوى الإقليمي أو الداخلي أيضا ً مع الحكومة المركزية في بغداد ... أما الجناح الآخر والمتمثل ب ( كاك كوسرت الغني عن التعريف في نضاله ودفاعه المستميت عن الاتحاد ، ونجليه ) ، هذا الجناح ، يبرز إلى ميدان المنافسة مع الآخرين ، بين فترة وأخرى حول قيادة أو إدارة الاتحاد الوطني الكوردستاني ، ربمّا حول العلاقات واستراتيجية العمل مع الديمقراطي الكوردستاني في إدارة إقليم كوردستان ، حيث هذا الجناح ، له شعبية على مستوى كوادر وتنظيمات الاتحاد الوطني ، له أيضا ً قوة عسكرية خاصة باسمه أحيانا ً كثيرة وداخل قوات الاتحاد الوطني ، من الجدير بالذكر ، هذا الجناح له ما له من الاستثمارات والشركات والتعاملات التجارية ، منها على سبيل المثال لا الحصر ( استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية على مستوى الإقليم وربمّا إلى العراق أيضا ً ) ... أما الجناح الآخر ، وللأسف طبعا ً ، أعلن خروجه من صفوف الاتحاد الوطني وتشكيل قائمة انتخابية ( التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة ) ، هذا الجناح أو القائمة بقيادة الشخصية الأكاديمية الغنية عن التعريف الدكتور برهم صالح ، حيث شغل مناصب عدة على المستوى الحزبي وحتى الإداري في إقليم كوردستان وعراق المركز أيضا ً ، منها نائب الأمين العام للاتحاد الوطني ( نائب مام جلال حزبيا ً ) ، رئيس لوزراء حكومة إقليم كوردستان / السليمانية ، رئيسا ً لحكومة إقليم كوردستان لعامين مناصفة ً مع السيد نيجيرفان بارزاني ، وزيرا ً للتخطيط ، ثم نائبا ً لرئيس وزراء العراق ( 2006 ــ 2010 ) . من الجدير بالذكر ، بأن خلاف الجناح الأخير مع الاتحاد ( بقيادة وإشراف جناح مام جلال ) ، لم يكن وليدة تشكيل قائمته ، إنما يمتد إلى عدة سنين ، ربمّا حول ملف الإدارة والمالية للحزب ، أما الخلاف الأكثر عمقا ً ، كان أثناء آلية اختيار شخصية بعد مام جلال لرئاسة الجمهورية في العراق ، حيث كان د . برهم من تلك الشخصيات المنافسة مع د . فؤاد معصوم الرئيس الحالي ، حيث كُل الأنظار كانت متجهة ً نحو الاتفاق على اختيار الأول لرئاسة الجمهورية ، يجب أن لا ننسى بأنه كان مقبولا ً أكثر على مستوى العراق بمختلف مكوناتها ، وربمّا الكثير من الكُتل الكوردستانية أيضا ً ... لكن ! للأسف خلافه مع ( العائلة ) أدى إلى عدم حصوله على الأصوات الكافية لترشيحه من البرلمانيين الكوردستانيين قبل عرض الاسم على البرلمان العراقي للتصويت عليه ...
بعد أحداث كركوك في 16 / أوكتوبر / 2017 والمناطق الأخرى التي سيطرت عليها القوات العراقية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي ، ربمّا ستمتد سيطرتها إلى حدود الخط الأزرق ( عرض 36 ) قبل سقوط نظام صدام . هنا لا نقول بأن الاتحاد الوطني انشق على نفسه مرة ً أخرى ، إنما أنضم فريق من القياديين في الاتحاد إلى جهات أخرى ولا سيما بعد إجراء الاستفتاء في 25 / سبتمبر / 2017 وتعرض الإقليم إلى المزيد من الانتقادات والضغوط ، لا بل تعَرَض الآن إلى عُزلة على المستوين الدولي والإقليمي ، هذا ناهيك عن المستوى الداخلي المتمثل بعراق المركز ، من الجدير بالذكر وكما أشرنا في إحدى اجنحة الاتحاد ، برزت قيادة شابة من الاتحاد الوطني إلى الميدان السياسي والعملي ، حيث هؤلاء ، أبووا المجازفة بالدخول في معركة غير متكافئة مع القوات العراقية للسيطرة على المناطق المتنازعة ، بعد عدم قبول نتائج الاستفتاء من قبل العراق والدول الإقليمية وحتى دول العالم كافة ً ... نعم هؤلاء رفضوا تقديم خسائر والتضحيات غير المبرّرة ، كانت ستذهب سُدى ً لصالح أطراف سياسية أخرى لا تريد الخير للاتحاد الوطني الكوردستاني أصلا ً ...
إذا ! الاتحاد أمام مفترق طريقين ، ربمّا لا ثالث لهما ...
إما ... دخول كافة أجنحة الاتحاد في حوار جاد وعملي والمحاولة الجدية لعودة د . برهم صالح إلى صفوف الاتحاد ، مقابل دعمه الجدي في المؤتمر القادم ، وترشيحه لمهام الامين العام للاتحاد ، مع بقاء رؤساء الأقطاب الأخرى في موقف مساند له ، دون الالتفاف عليه مستقبلا ً ، محاولين بشتى الطُرق كي يفشل في مهامه ، هذا طبعا ً مقابل تعهد من الدكتور برهم عدم ترشحه لأية وظيفة حكومية سيادية على مستوى العراق والإقليم ، حيث وحسب قناعة البعض الكثير من القاعدة الحزبية ، بأن لهذه الشخصية إمكانية لملمة صفوف الاتحاد ، كي يبقى قويا ً ذات نفوذ داخلي وإقليمي ودولي ، كما كان في عهد الخالد مام جلال ، والذي حسب رأي البعض من الكوادر السياسية المتقدمة والمقرّبة من مام جلال ( هكذا قيل ) ، بأن الأخير ، قد أوصى بالدكتور برهم صالح ، بديلا ً له ، كأمين عام للاتحاد الوطني الكوردستاني ربمّا بعد نوشيروان مصطفى قبل قيادته لتيار التغيير ...
أو ... دعم الكتلة الشبابية والتي لها طموح سياسي لقيادة الحزب ، هم أيضا ً أولاد أو مقرّبين من رؤساء الأقطاب والقيادات القديمة للاتحاد الوطني ، لكن ! ربمّا عقول هؤلاء الشباب تتناسب وتتواكب مع الظروف الدولية الحالية ، لهم إمكانيات سياسية وثقافية ولغوية لمواكبة العصر ، بالتأكيد سيكونون ( خير خلف ل خير سلف ) ، سيحرصون على المصالح الوطنية من خلال النضال والكفاح في الاتحاد الوطني الكوردستاني ، وامكانية دفع عجلة الحزب إلى الأمام في ظل الظروف الحالية والتي يمر به إقليم كوردستان ، بعد التعرض إلى نوع من الحصار والعزلة أثر الإقدام على إجراء الاستفتاء في الخامس والعشرين من سبتمر الماضي ...
بقي أن نقول ، وفي كلتا الحالتين أعلاه ، على القيادات الرفيعة المستوى ، وربّما أصبحوا البعض منهم ( معمّرين ) ، قد يكونوا بحاجة إلى الراحة ، بعد أن تجاوزوا سن التقاعد القانوني ب سنين ، فهم الآن أولى بالاستراحة ، لفسح المجال أمام الطاقات الأخرى ، منهم( الشابة ) ، للانخراط في العمل السياسي ، وفق القواعد والقوانين الحديثة ، لا بل هؤلاء ، سيكونوا للجدد سندا ً ، لا سيما في مجال الاستشارة ، وفق الخبرات الطويلة ، والتي اكتسبوها البعض الكثير من هذه القيادات ...
دهوك في
5 / 12 / 2017
h.nermo@gmail.com
www.hnermo.blogspot.com