السبت، 1 نوفمبر 2008

الوعي القومي الكوردي بين الأمس واليوم !


بقلم / حسين حسن نرمو
h.nermo@gmail.com
حدّثنا زميل لي بالدرجة العلمية عن إحدى خطب الجمعة في الستينات من القرن المنصرم وفي جامع من جوامع قضاء العمادية ، مدينة الثقافة والتيار اليساري السياسي التابعة لمحافظة دهوك في منطقة بهدينان ، أبدى الأمام الخطيب رأيه من خلال خطبته في مستقبل القضية الكوردية ، مشيرا ً إلى تجارب الآخرين في المنطقة وتحديدا ً تركيا وأيران قبل تأسيس الدول والتي قادتهما رجال مؤمنين بالتيار القومي للوصول إلى مبتغاهم الحالي ، ليؤكد الخطيب على الأكراد أو قادتهم أن يحذون حذوهم فيما إذا أرادوا أن يكون لهم كيان دولة ، نستنتج من حديث هذا الأمام " خطيب زمانه " ، بأنه لم يكن ذا وعي قومي وشعور وطني عال ٍ بالمسؤولية فحسب ، بل أراد حينئذ تعميم ذلك الشعور والوعي ويمرّر عبر أهم فلترات زمانه هو " الجامع " للوصول إلى الناس وفي يوم التجمع الكبير للكورد المسلمين ، حيث الخطب كانت تضاهي أكثر التجمعات الحزبية كثافة ً سواءا ً كانت الأجتماعات أو حتى الندوات والدورات التثقيفية الحزبية آنذاك . الذي يقول مثل هذا الكلام وفي الجامع ، لا بد وأن تخلل في خطبه كلام كثير عن مبادئ التسامح والتعايش السلمي بين معتنقي مختلف الديانات في ذلك الوقت ... تصوروا حدث هذا في الستينات من القرن الماضي ، أستمرت الحالة أيضا ً في السبعينات وربما الثمانينات ، حيث لم نشعر نحن الكثير من العوائل ومن الأقليات أثناء تواجدنا في قرى أخواننا الكورد المسلمين في الجبال من آذار 1974 إلى آذار 1975 بعد تجدد القتال بين البيشمه ركه والقوات النظامية العراقية والطعن في بنود أتفاقية آذار / 1970 ، نعم لم نشعر بغير الكوردايه تي وكانت أبواب عوائلها وبساتينها المليئة بالفواكه المختلفة مفتوحة أمامنا .
لكن ! الذي حدث من مستجدات في العقد الأخير من القرن المنصرم وتحديدا ً بعد الأنتفاضة الآذارية وربما قبلها بسنتين أو أكثر بعد حملات الأنفال السيئة الصيت وأنسحاب القيادات الكوردستانية لفترة من ساحة النضال العملية إلى دول الجوار المعادية بشكل أو بآخر للقضية الكوردية وحقوق شعبها في كوردستان العراق لأسباب ٍ معروفة للقاصي والداني ، حدث حينذاك أختراق للبعض المحسوبين على القيادات الكوردية أو حتى أقرب المقرّبين من قبل الأجهزة الأمنية للدول المجاورة " أيران مثلا ً " لحثهم ومساعدتهم بالمال والسلاح لتشكيل بعض التنظيمات ذات الأتجاه الأسلامي ، البعيد كل البعد عن الخط القومي العام داخل كوردستان لغرض التصدير أولا ً والتأثير بشكل أو بآخر على المد القومي الكوردي الذي يشكل خطرا ً على الأكراد عندهم ومن وجهة نظرهم ... ولا يخفى أيضا ً لجوء بعض المتطرّفين المحسوبين على الكورد إلى أفغانستان للمشاركة مع مقاتلي حركة طالبان والدخول في دورات " غسل الأدمغة " ، ثم عودتهم مجددا ً إلى كوردستان مختفين عن طريق ايران ليساعدوا على تشكيل بعض التنظيمات المتشّددة أسلاميا ً ، تمكنوا هؤلاء من التأثير على بعض الذين يعملون في المواقع الحساسة لتشكيل خلايا ، تعشعشوا في أوكارهم مختفين للقيام بالكثير من العمليات المنافية للأسلام والقيم الأنسانية أيضا ً " خلية شيخ زانا نموذجا ً " ، مَن يدري ، ربما هنالك العشرات من مثل هذه الخلايا النائمة " بلباس ولباس " تعمل في الخفاء بالقرب من المراكز الحساسة ، هؤلاء الذين تعصّبوا للدين ليجعلوا هدفا ً للسلوك والتصرف الأعمى الهوجاء ضد الآخرين والذي أدى إلى تأثير كبير على الوعي القومي على الأقل لأنصارهم ومؤيديهم .
لكن في تصوري الفترة التي كانت مهيأة أكثر لأنتشار مثل هذه الظاهرة " المد الأسلامي بين الأوساط الشعبية الكوردية وتأثيره على الوعي القومي " ، طبعا ً بشقيه المعتدل ظاهريا ً والمتطرف ايضا ً ، جاءت بعد أستقرار الوضع في كوردستان عقب سحب الأدارات الحكومية للنظام البائد من الأقليم في أوكتوبر / 1991 ، ذلك الأستقرار أدى إلى زيادة الدعم من قبل دول المنطقة لا سيما " المملكة العربيةالسعودية " إضافة ً إلى " أيران " لبعض التيارات الأسلامية وأستحداث آخرين لأجل الأغاثة أولا ً ، ثم أتجهت بعدها إلى النشاط السياسي الأسلامي ، أنشئت أو تأسست على أثرها كليات أسلامية ، ، بناء الكثير من الجوامع ، مساعدة المحتاجين ذوي الدخل المحدود وكذلك الطلبة في الأعداديات والجامعات وحتى تشجيع الناس على أداء الصلاه في الجوامع مقابل " المال " ، لذا أ ُولى ثمرات تلك الجهود المبذولة من قبل المنظّمين وتنظيماتها بانت في مجال أنتخابات إتحادات الطلبة في المعاهد والجامعات والتي فازت قوائمها بأغلبية التمثيل ... الذي نؤسف عليه هو أستغلال الفجوة التي حصلت بين الحزبين الرئيسيين " الأقتتال الداخلي " من قبل هذا التيار أو ذاك بممارسة النشاط السياسي الأسلامي بحرية وبعيدا ً عن الأنظار لأنشغال الآخرين كما أسلفنا ب " صراع المصالح " ، مما زادوا هؤلاء من حجم تنظيماتهم وأعداد مؤيديهم بالأساليب التي ذكرناه ، حتى باتت طوابير سيارات المصلّين في الجوامع تُعيق الشوارع والطرقات على المارة في المدن المزدحمة .
كما هو معروف ووفقا ً لكل المقاييس وفي ظل الأنظمة التي تحصل فيها الفساد الأداري والمالي ، حيث عادة المستفيدين من مثل هذه الظاهرة فئة قليلة مقارنة ً بالشعب كله ، لذا لا بد وأن تحصل نوع من المعارضة التي تكون أيضا ً إحدى أوجه التطور الحضاري وقد تكون أهم من الحكومة في أمر الأصلاحات إذا سار في الأتجاه السليم ، نرى بأن المعارضة في أقليم كوردستان بنظامه الحالي تأخذ منحى آخر ذا توجه أسلامي تؤثر على الأتجاه القومي في المدى البعيد ، حيث نرى في الأفق القريب والبعيد بأن هذا المنحني " المد الأسلامي " في تصاعد مستمر حتى باتوا يقرأون ويخططون ويعلّمون كوادرهم وأجيالهم اللاحقة على كيفية التخطيط للقرون القادمة والذي قد يؤثر في المستقبل على النظام السياسي في الأقليم كما حصل وتحصل الآن في تركيا العلمانية في الأنتخابات البرلمانية ولأكثر من مرة بحيث حتى " الكورد " المتواجدين هناك صوّ توا بالأضافة إلى الأتراك لصالح الأحزاب الأسلامية رغم وجود حزب أو تنظيم قومي كوردي في المنافسة الأنتخابية .
يا ترى ! ماذا ستكون مستقبل العملية السياسية المستقبلية في كوردستان ؟
هل من الممكن الحفاظ على النظام السياسي المعمول به حاليا ً على المدى البعيد ؟
هل فكر أو يفكرون القادة الكورد بإجراء رادع " فيتو مثلا ً " وفق الضوابط الدستورية للطعن بعدم التأثير على النظام العلماني ، أم مشغولين بأشياء ٍ آخرى غير ذلك ؟
نأمل من الساسة الميدانيين أن يكونوا على دراية بما حصل وتحصل وقد تحصل الأسوء بما يمس الأمن القومي الكوردستاني وأتخاذ الأجراءات الصحيحة والسليمة فيما يخص المجال الذي تطرقنا إليه ...

أوربا في
الأول من نوفيمبر / 2008