السبت، 28 يونيو 2008

حذارٍ مِن ال " ثورة في الثورة " في كوردستان ... رؤية مستقبلية


بقلم / حسين حسن نرمو
h.nermo@gmail.com
شهد النصف الأول من القرن المنصرم حَدثين هامين مدمرين معروفين جداً هي الحربين العالمين الأولى من ( 1914 _ 1918 ) والثانية من ( 1939 _ 1945 ) ، هذين الحربين كان لهما تأثير مباشر على أحياء وبروز الكثير من القضايا في العالم وتغير خارطة الكثير من المناطق والبلدان ، ليندلع شرارة الكثير من الثورات مع بداية سقوط أمبراطوريات ، أهم ما حدث خلال وبعد الحرب الأولى سقوط الأمبراطورية القيصرية وقيام الثورة البلشفية بقيادة الرائد " لينين " ، ثم أنهيار أمبراطورية الرجل المريض " الدولة العثمانية " ، ليتم تأسيس الدولة التركية على أنقاضها وتقسيم ممتلكات الدولة حينذاك منها العراق طبعا ً وفق أتفاقية " سايكس بيكو " والذي أصبح العرب والكورد ضحيتها تحت صبغة الأحتلال الطويل الأمد ، جاءت " لوزان " عام 1923 لتكون على حساب حقوق الكورد وفق ما أُقر في أتفاقية " سيفر " عام 1920 .
أندلعت في المنطقة شرارة الكثير من الثورات ضد الأحتلال ، منها ثورة المليون شهيد المعروفة في الجزائر وثورة العشرين في العراق وثورة الشيخ سعيد بيران في تركيا ، الذي يهمنا في هذا المقال هو ما حدث في كوردستان ، كان هنالك خلال وبعد الحرب الأولى ثورة الشيخ محمود المعروفة ضد الأحتلال الأنكليزي ، تلتها ثورات بارزان بقيادة الراحلين الشيخ أحمد ومصطفى البارزاني فيما بعد من أجل نيل الكورد حقوقهم المشروعة . لم يكن الحرب العالمية الثانية خالٍ من المفاجئات أيضا ً بالنسبة للكورد وكوردستان بعد التقسيم ، حيث برزت تنظيمات سياسية في بدايته مثل حزب " هيوا " على سبيل المثال لا الحصر ، ليتفقوا قادتها على تشكيل تنظيم أوسع متمثلا ً بالحزب الديمقراطي الكوردي / العراق عام 1946 ، بعد أن أسندوا قيادته إلى الراحل البارزاني مصطفى ، سرعان ما بادر الأخير بالمشاركة والدفاع عن " جمهورية مهاباد الكوردية الفتية " التي تم الأعلان عنها في كوردستان أيران ، ليغادر فيما بعد من هناك مختفيا ً مع قوة كبيرة إلى الأتحاد السوفيتي بعد القضاء على الجمهورية وأعدام رئيسها القائد التاريخي " قاضي محمد " في ساحة " جوار جرا " .
إذن ! بعد كل تغير ، قد تحصل أكثر من تغير بشقيه الأيجابي والسلبي لهذا أوذاك من المكونات والشعوب ، أو لهذه وتلك من الدول والمناطق ، بعد كل حدث مهم تجري أحداث أهم لصالح أو ضد الآخرين ، لذا نرى في النصف الثاني من القرن المنصرم وبعد ثورة 14 تموز / 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم ، دعا ذلك الرمز الوطني إلى عودة البارزاني من منفاه الأجباري في الأتحاد السوفيتي ، ليتم أقرار شراكة الكورد أسوة بالعرب في العراق دستوريا ً . لكن ! للأسف وبسبب الظروف المحيطة بقادة الثورة حينذاك وربما لظروف خارجية ، تم ملاحقة وحجز قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الموصل وبغداد ، أدى إلى أندلاع ثورة أيلول بقيادة البارزاني الأب عام 1961 . التغير الأسوء الذي حدث في العراق بعد أنقلاب تموز 1968 ، الذي أستمر ثلاث عقود ونيف لحين السقوط عام 2003 ، بعد أقل من سنتين على أستلام البعث الحكم في بغداد ، حصل أتفاق بين القائمين على السلطة المركزية " البعث " والقيادة الكوردية المتمثلة حينذاك ب " الحزب الديمقراطي الكوردستاني " بقيادة البارزاني الخالد على أتفاقية 11 آذار التي كانت من وجهة نظر القيادة الكوردية مكسبا ً تاريخيا ً ، لكن المماطلة في التنفيذ التي دامت أربع سنوات ساعد النظام على التنظيم والتسليح وتقوية العلاقات مع العالم الخارجي والذي كان بحاجة ماسة إلى ذلك باعتباره نظاما ً جديدا ً في الساحة السياسية آنذاك ، حيث تلك الفترة كانت مكسبا ً للنظام ، لذا وقبل أنتهاء الفترة المقررة للتنفيذ ، سحب أعترافه بالأتفاقية الموقعة بين الطرفين ليطعن بها وتصبح الأتفاقية مجرد حبرا ً على ورق ، أندلع القتال بينهما وبعد الشعور بالضعف خلال عام من المعارك البطولية التي قادها البيشمه ركة ضد الجيش العراقي ، سرعان ما تآمر على الثورة الكوردية والتنازل ل " شاه ايران " بشط العرب ومناطق أخرى من العراق على حساب الكورد وفق تخطيط مسبق من مهندس " أتفاقية الجزائر المشؤومة " هواري بومدين ، ليحصد الكورد أكبر نكسة جراء ذلك عام 1975 ، مما أدى إلى أنشقاق جزئي بين القيادة السياسية الكوردية والعسكرية حول كيفية التعامل مع النكسة " مواصلة القتال أو الأنسحاب من الساحة " ، لكن كفة الميزان ترجحت لصالح القيادة العسكرية بالأستسلام والأنسحاب إلى العمق الأيراني ، ذلك الحدث المأساوي في تاريخ الحركة التحررية الكوردية كان لها تأثير معنوي كبير في نفسية قادتها مع القاعدة . لكن سرعان ما تم أعادة التنظيم بعد اشهر قليلة ، ليعلن ولادة الأتحاد الوطني الكوردستاني في الأول من حزيران عام 1975 ، هذا التنظيم الذي كسر الطوق الأحادي القطب في النضال من أجل الحقوق المشروعة ، أثبت الأتحاد وجوده بسرعة البلاشفة على مستوى كوردستان في الداخل والخارج أيضا ً بعد أن تأسس على أرضية موجودة أصلا ً وهي " جمعية الشغيلة " إضافة إلى التنظيمين الآخرين " التيار الأشتراكي " و " الخط العريض " والمباشرة طبعا ً بالنضال في الداخل . بعدها بفترة قصيرة أندلعت ثورة كولان تحت أشراف " القيادة المؤقتة " حينذاك . لكن قبل وبعد أن تجرع الأمام الراحل الخميني " كأس السم " كما قال هو بنفسه ، أي الموافقة على أيقاف الحرب العراقية الأيرانية ، تعرض الكورد إلى أكثر من كارثة أنسانية متمثلة بحملة أبادة جماعية " قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية " راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف من المواطنين العزل ، تلتها حملات الأنفال السيئة الصيت المعروفة ، حدثت تلك العمليات الوحشية وللأسف لم يتحرك الضمير الأنساني في العالم الغربي للتعاطف مع الشعب الكوردستاني حينذاك . لكن مغامرة النظام البائد أثر أحتلال دولة الكويت ، أدت إلى أندلاع الأنتفاضة في معظم أرجاء العراق بما فيه المدن الكوردستانية ليطرح الملف الكوردي نفسه بقوة في الساحة العالمية خاصة بعد الهجرة المليونية للكورد إلى الخارج اثناء قيام النظام بقمع الأنتفاضة بعد الضوء الأخضر من قبل قوات التحالف في الخليج والعراق مما أدى إلى تعاطف المجتمع الدولي مع القضية الكوردية ليحصلوا فيما بعد على منطقة آمنة والتي كانت بحق " فرصة تاريخية " .
في العام الأول من الألفية الثالثة ، حدث ما توقع الباراسايكولوجي المعروف " نوستر أداموس " ، الذي تنبأ بالذي حدث في 11 / سبتمبر قبل مئات السنين مع توقعات وتنبؤات أخرى حدثت فعلا ً مثل الثورة الفرنسية والحربين العالميين و .... مدونة ضمن كتاب " تنبؤات نوستر أداموس " والذي قال " سيأتي ملك الأرهاب من السماء في مدينة يورك ..... " ، الذي أشار المحللون بأن كان القصد هو العمل الأرهابي بالطائرات لضرب الأبراج التجارية في مدينة نيويورك . ذلك الحدث الذي اثر بشكل أو بآخر على تغير الخارطة السياسية في العالم بعد أعلان الولايات المتحدة الحرب على الأرهاب ووضع الخطط البعيدة المدى لمكافحة ومحاربة ونقل الأرهاب خارج أميريكا بعد أن شاركت مع حلفاءها بالقضاء على حركة طالبان في أفغانستان وسقوط النظام في العراق . الذي يهمنا هو ما حدث في بلدنا العراق ، حيث بزوال النظام أنهارت الدولة بمؤسساتها نتيجة مغالطات وقع فيه الأحتلال الأميريكي منذ البداية في كيفية معالجة الموقف مما أدى إلى خلط الحابل بالنابل ، ليتعرض ممتلكات الدولة بكاملها إلى السرقة والنهب بشكل عشوائي وأنهيار الأقتصاد ليختفي عشرات المليارات من الدولارات تحت يافطة الفساد المستشري في ربوع البلاد .
إذن ! من خلال هذا السرد الموجز والمبسط وربما الممل بالنسبة للبعض ، نرى بأن كوردستان وعلى مدى عشرات العقود من الزمن في الألفية المنصرمة في حالة أنتفاضات ، ثورات ، مفاوضات وأتفاقيات مع الحكومات المتعاقبة من أجل نيل الحقوق المشروعة للشعب الكوردستاني ، خلال الأعوام المنصرمة من الألفية الثالثة وخاصة بعد سقوط النظام في بغداد ومشاركة الكورد في القرار السياسي ، عانوا من مواجهات عدة مع الحلفاء والأصدقاء في الحكومات ، رغم أنهم أفلحوا في معركة صياغة بنود ومواد الدستور العراقي الدائم ، إلا أن كل التصورات والرؤى تتجه نحو المعركة الحقيقية في تطبيق المواد وخاصة المادة 140 من الدستور المتعلقة بالمناطق المتنازعة والمنسلخة من كوردستان الوطن والذي بات التطبيق يؤجل مرة ً تلو الأخرى وربما هذه المرة سيكون التأجيل إلى أمد بعيد .
لذا نرى بأن كوردستان لا زال في حالة الثورة ، تقودها قيادة علمانية إلى حد ما وتعاني من أزمة أو ربما أزمات داخلية سواءا ً المتعلقة بشكيل الحكومة الموحدة أو الخاصة بالفساد الأداري والمالي الذي أنتشر بشكل واسع كوباء السرطان في الجسد الكوردستاني .
لذا لا بد أن نقول وطالما بعد كل تغير تحصل أكثر من تغير وبعد كل حدث تحصل أكثر من حدث كما أسلفنا . فيا ترى !!!
هل من الممكن معالجة مثل هذا الوباء الخطير " الفساد " في المستقبل القريب بعد أستحداث رئاسة الأقليم وتوحيد الأدارتين والأتفاق الستراتيجي ؟
مَن الذي يملك الجرأة في الأقدام على مثل هذه الخطوة " مكافحة الفساد " ، بدءا ً من الرؤوس الكبيرة ؟
فيما لو تعذر أن يحصل الذي ذكرناه في المستقبل القريب . فيا ترى !
كيف سيكون مستقبل كوردستان في ظل تطور هذه الظاهرة مع نمو التيار الأسلامي ؟
ألم يتم أستغلال مثل هذه الظروف من قبل المناوئين وحتى بعض المشاركين في التجربة الكوردستانية للقيام ب " ثورة في الثورة " وبأساليب شتى ، بعد أن أعادوا البعض تنظيمها مؤخرا ً ليتم أستغلال الناس البسطاء تحت ستار أو غطاء الدين ؟
نتمنى أخيرا ً أن يكون " التيار القومي " سيدا ً للموقف في كل زمان ومكان في كوردستان !!!
ألمانيا في
27 / حزيران / 2008

الثلاثاء، 10 يونيو 2008

عن القَسَم المهني أوالوظيفي !


بقلم / حسين حسن نرمو
h.nermo@gmail.com
1. في صيف عام 1984 ، تخرجنا من الكلية في جامعة الموصل / العراق ، حيث العراق آنذاك ، شهد أطول حرب خاضه النظام البائد ضد أيران والمعروف بالحرب العراقية الأيرانية على مستوى العالم ، حسب النظام المعمول به عسكريا ً في تلك الفترة يتم تجنيد الخريجين إلى كلية الضباط الأحتياط في العاصمة بغداد / معسكر الرشيد لغرض أجراء الفحوصات الطبية واللياقة البدنية ، ثم تدريبهم على " المشاة " لمدة ستة أشهر ، يتم تصنيفهم بعد ذلك وحسب الأختصاصات إلى دورات تدريبية أخرى على الصنف لمدة ثلاثة أشهر وزجهم بعد ذلك في طاحونة الحرب التي لم تظهر في الأفق حينذاك نهايته . في نهاية كل دورة ، هنالك حفل تخرج ، يحضر كبار الضباط من مختلف صنوف الجيش العراقي ويحضر أيضا ً ممثلا ً عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية حينذاك ليسمعوا جميعا ً القَسَم " أ ُقسم بالله العظيم .... " الذي يردده الضباط المتخرجين من كل دورة بأن يكونوا أوفياء للعهد الذي قطعوا على أنفسهم لخدمة الوطن .
تسرحنا " خريجي الكليات العلمية " فيما بعد ، بضغط من منظمة اليونسكو العالمية على الحكومة العراقية حينذاك والذي حُدد فترة الخدمة لخريجي الكليات العلمية كما أسلفنا ، لكن للأسف خلال فترة معايشتنا في الخدمة العسكرية والتي دامت ثلاث سنوات ، بأن معظم الضباط إن لم نقل جُلهم وعلى مستوى عال من الرتب العسكرية من الذين عاشرتهم وعن قرب بحكم عملي كمهندس مشرف على المخازن والعجلات المبردة والمجمدة ومعامل الثلج الميدانية في سلوكهم وتصرفاتهم الميدانية لم يكونوا أهلا ً ل " القسم " الذي رددوه وفق المبادئ التي من المفروض السير عليها .
2 . في صيف عام 1988 ، كنت في زيارة عمل ميدانية إلى ناحية العياضية التابعة لقضاء تلعفر للأشراف على طلبة المعهد الفني بعد التسريح من الجيش والعمل في مؤسسة المعاهد الفنية لوزارة التعليم العالي العراقي كتدريسي ، حيث كان تحت أشرافي أحد الطلبة الذي لديه تطبيق عملي في المركز الصحي للناحية أعلاه ، بعد الأطلاع على الحالة التطبيقية للطالب ، كان لا بد من مصادقة رئيس المركز على التقرير المعد من قبلي لتقديمه إلى الجهات ذات العلاقة فيما بعد ، لذا لا بد لي من التعرف على شخصية ذلك المدير والذي كان طبيبا ً من المتخرجين الجدد ، حيث من لكنة اللهجة التي تحدث بها معي ، تبين لي أنه من داخل مدينة الموصل " مصلاوي " ، لكن من خلال حديثه ولحيته الخفيفة ، يشير إلى أنه أسلامي الفكر والتوجه خاصة حينما أقترحت عليه بعد التعارف بمحاولة نقله إلى مناطق أخرى قريبة من مدينة الموصل ، كناحية بعشيقة أو قضاء الشيخان على سبيل المثال لا حصرا ً . لم أكن أتوقع أبدا ً الرد من قبله بذلك الأسلوب الذي لا يليق بمهنته كطبيب فقط ، حيث قال " بأن سكنة المناطق تلك هم أناس يزيديين غير مؤمنين وغيرها من الألفاظ النابية التي لا أود ذكرها ....... " . إذن ! أين هو ذلك الطبيب وربما آخرين كثيرين من الرسالة الأنسانية وفق المبادئ التي تم تدريسها في الكلية على مدار ست سنوات ؟ وأين هو من ذلك القسم الذي ردده بعد التخرج مع زملاءه من أجل أن يكونوا أمناء ، حاملين تلك الشهادات ليتعاملوا مع كل الناس بنفس المستوى ؟ بالطبع حينما عرّفت نفسي له أكثر بأنني أحد ابناء تلك " الأقلية المنبوذة " من وجهة نظره ، كان الموقف محرجا ً جدا ً بالنسبة له ....
3 . الفقرتين أعلاه 1 و 2 ، تحدثنا عن حالتين في الماضي ربما البعيد ، لكن المرحلة الأهم بالنسبة لنا هي " الحاضرة عراقيا وكوردستانيا ً " بعد التغير الذي حصل بزوال النظام البائد عن كاهل الشعب العراقي بعربه وكورده وأقلياته .
عراقيا ً : بعد التحرير أو الأحتلال ، شُكل مجلس الحكم ، أ ُجريت أنتخابات ، دخلوا النواب البرلمان ، شُكلت حكومات وفق مبدأ المحاصصة أحيانا ً وبالتوافق أحيانا ً أخرى حسب رؤية القائمين على الحكم في العراق ، أبتعد البعض من التيارات والأحزاب عن العملية السياسية خلال الخمس سنوات بعد التغير غير راضين لا بل البعض معترضين اساسا ً على الدستور العراقي الذي أجتاز الأستفتاء وسط صعوبات جمة . إذن خلال الفترة الماضية والتي تجاوزت نصف عقد من الزمن على النظام الجديد في العراق نحو الديمقراطية ، برزت على الساحة الكثير من الشخصيات سواءا ً كانوا رجال دين أو رؤساء أحزاب مع قياداتها ، تم أختيار الكثير من منهم ليصبحوا نوابا ً في البرلمان ووزراء في الحكومات المتتالية ، بدءا ً من حكومة الدكتور علاوي مرورا ً بحكومة الدكتور الجعفري أنتهاءا ً بالحكومة الحالية التي يقودها المالكي ، لكن للأسف كان هنالك اختراق للبرلمان والحكومات بمؤسساتها من قبل أناس معادين أصلا ً للعملية السياسية والتغير الذي حصل في العراق ، نعتقد بأن هذه الظاهرة موجودة لحد الآن لم يتم معالجتها رغم المحاولات ، بل تم التعامل معها على اساس مبدأ المساومة بين الأطراف السياسية في الساحة العراقية الحالية " هذا عائد إلى فلان والآخر إلى علان وهكذا ... " . أكثرية الذين تسنموا المناصب وفق " قسم " مرسوم لهم يرددوها على أن يكونوا أوفياء ، أمناء على الوطن الجريح ، لكن حالما أستلموا مناصبهم ، تم أستغلال صلاحياتهم بالأنحراف عن الخط العام والمبادئ التي طالما تشدقوا بها أمام الملأ ، لذا وعلى اثر ذلك شُكلت لجنة النزاهة بفروعها ، لكنها ربما توفقت في عملها وفي بعض الحالات على مستوى الأدارات المحلية في المحافظات فقط ، أما على مستوى الحكومة المركزية في بغداد ، لم توفق في عملها ربما نتيجة التهديد والوعيد من الأرهاب والأرهاب المضاد ايضا ً ... يا ترى ! هل أوفوا بالقسم الذي رددوه ليتعهدوا أخوتهم العراقيين أن يكونوا أوفياء لهذا الوطن الذي شاء قدره أن يكون ويبقى جريحا ً نتيجة مغامرات الذين حكموه منذ تأسيس الدولة على مدار تسعة عقود من الزمن ؟
كوردستانيا ً: بعد أنتفاضة آذار المباركة عام 1991 ونتيجة مغامرات النظام البائد باحتلال الكويت ، حصل الكورد على منطقة آمنة بقرار دولي ، ليتنفسوا الصعداء بعد رحلة طويلة من النضال ضد الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة التي حكمت بالحديد والنار العراق ، تم أنتخاب أول برلمان كوردستاني في مايو 1992 ، لتتوالى تشكيل حكومات ، موحدة تارة وأحادي القطب تارة أخرى في اربيل والسليمانية خلال عقد ونيف من الزمن ليتم تعين اعضاء البرلمان من الحزبين الرئيسيين والأحزاب الأخرى وكذلك الوزراء من اكثرية التنظيمات والتيارات الموجودة في كوردستان الوطن ، معظمهم رددوا " كليشة القسم " أمام المنابر الرسمية والشعبية أيضا ً ، ليكونوا عند حسن ظن مسؤوليهم والمواطنين ، لكنهم ابدعوا في مجال الفساد الأداري والمالي أكثر حتى من أن يكتسبوا الخبرات في المجال الذي عملوا فيه ، هنالك مَن فشلوا في مهامهم أيضا ً . فيا ترى ! كم من هؤلاء الفاشلين في المهام المرسوم لهم أبدوا أستعدادهم بالتنازل عن مناصبهم أو قدموا أستقالاتهم لأعطاء المجال لآخرين أكفاء أكثر منهم ؟ هذا ناهيك عن الكثير من المسؤولين الحزبيين أو حتى الأداريين الذين قدموا تعهدات أو حتى أقسموا ب " دماء الشهداء " من خلال خطبهم الرنانة أمام الجماهير ، بأن يعملوا ما في وسعهم للدفاع عن حقوق المظلومين ، المناضلين وكذلك الشهداء الذين سقوا بدماءهم أرض كوردستان الطاهرة من أجل المبادئ التي آمنوا بها لتحرير كامل الأراضي المنتزعة من كوردستان ، ليعم الديمقراطية في أرجاء البلاد . لكن للأسف والظاهر للعيان بأن التعهدات تلك صبت وتصب في خانة المصالح للذين ساروا عكس تيار التحرر والديمقراطية . وإلا ! ماذا يفسر بأن هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس القريب في خانة العداء للحركة التحررية الكوردستانية ، ليصعدوا الآن على أكتاف المناضلين وعلى حساب دماء شهداءنا الأبرار بعض المناصب المهمة ، سواءا ً كان على مستوى عراق المركز أو كوردستان أيضا ً ، البعض الكثير منهم مقرّبين من " قيادتنا المناضلة " ، يستلمون بين الحين والآخر المكارم من لدنها من السيارات الفارهة وعشرات الآلاف من الأوراق الخضراء ؟ حتى بات في الفترة الأخيرة يقضون هؤلاء استراحتهم مع العوائل في نعيم أوربا على حساب الميزانية المفتوحة !!
إذن ! هل هؤلاء الذين يمنحون الفرص لهؤلاء ..... هم فعلا ً أهلا ً للثقة الممنوحة إليهم من مواطنيهم ؟
هل أعطوا القيمة الحقيقية للقسم أو التعهد الذي رددوا ويرددون أمام الجهات الرسمية أو الشعبية من خلال خطبهم كما أسلفنا ؟
هل نحن في حاجة إلى القسم والتعهدات أصلا ً في مثل هذه الظروف التي تكون العلاقة مبنية على الثقة المتبادلة ، حتى لوكان الطرف الآخر هو المعادي ؟
أليس القسم سيكون حملا ً ثقيلا ً على كاهل المتدّينين من هؤلاء في دنيا الحاضرة والآخرة ؟
هذا ما أردنا أن نختتم مقالنا هذا ...
المانيا في
التاسع من مايو 2008