السبت، 2 يوليو 2011

المحاصصّة ورديفاتها ... وتأثيرها على الكفاءات !!!


بغداد / حسين حسن نرمو
قبل الخوض في التفاصيل لمثل هذا الموضوع الذي يتعلق الأمر بالعراق وبامتياز بعد سقوط بغداد ، وربما بإقليم كوردستان أيضا ً لفترة ليست بالقصيرة أثناء التحالفات . أردنا أن نشير إلى التجربة الديمقراطية العريقة لجمهورية ألمانيا الغربية وألمانيا الاتحادية قبل وبعد سقوط جدار برلين ، في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، ظهرت أحزاب وتيارات سياسية عديدة في الميدان السياسي حينذاك ، اختزلوا في مجموعة صغيرة لا تزال تحكم ، منها الرئيسية طبعا ً الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي ، خلال عقود من الزمن بعد التجربة الديمقراطية فيها لم يتحالفا الحزبان الرئيسيان أعلاه إلا مرتان فقط في تشكيل الحكومة ، المرة الثانية هما الآن مستمرين في التحالف برئاسة المستشارة ميركل ، حسب استفتاء الآراء والرؤى المختلفة في ألمانيا بأن مثل هذا التحالف لها تأثير على سير العملية السياسية والأداء الحكومي في البلاد ، وهذا يعني بأن التجارب الديمقراطية حينما تخلو من المعارضة الحقيقية ، قد تؤثر بشكل وبآخر على الإصلاح والتقدم .
العراق وكما هو معروف بلد متعدد القوميات والمذاهب والطوائف والمكونات الأخرى ، حيث ضمّن دستور جمهورية العراق كامل الحقوق منها طبعا ًالدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية من المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين ، لكن لم يشير الدستور إلى المشاركة السياسية لكُل هؤلاء من منطلق الدين مع مختلف التيارات السياسية المعارضة سابقا ً والمستحدثة بعد السقوط في أدارة الحكم في العراق ، حيث بدأ العراقيون ابتداءا ً من مجلس الحكم ولحد الآن بالاعتماد على المحاصصة المقيتة ثم حكومة الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية الحالية والتي برأيي كُلها تصب في خانة المحاصصة وفق المبدأ " هذا لك وذاك لي " وخاصة بالنسبة للكُتل الكبيرة بدءا ً من المناصب العليا ولحد المدراء العامين والذين أبدعوا في تغير الهيكلية الإدارية لأكثرية المؤسسات لصالح رئيسها وبالتالي لصالح التيار السياسي الذي جاء بهم .
كوردستانيا ًوبعد أول انتخابات ديمقراطية على مستوى العراق بعد احتلال وتحرير الكويت وقرارات الأمم المتحدة وسياسة الحماية لكوردستان وفق الخطوط الجغرافية ، أثبت نظام المناصفة بين الحزبين الرئيسين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني بعد منتصف عام 1992 وفق مبدأ " الففتي ففتي " ، نعم أثبت عدم التوفيق في إدارة الحكم في كوردستان ، مما أدى انشقاق البرلمان الكردستاني والحكومة الكردستانية إلى شطرين في السليمانية وأربيل ، في اعتقادي بأن الأوضاع في الإقليم وما نمُر به لحد الآن من أحداث أدى إلى استشراء الفساد المالي والإداري باعتراف المسؤولين الكبار ضحية مثل هذا النظام غير العملي على أرض الواقع ديمقراطيا ً .
عراقيا ً وبعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد وبروز تيارات سياسية ودينية عديدة من المعارضين القدامى للنظام السابق والمستحدثين أيضا ً لتفرض نفسها محاولين بشتى الوسائل المشاركة في تقسيم الكعكة ، مما أدى إلى ظهور نظام المحاصصة المعمول به تقريبا ً لحد الآن وتحت مسميات ربما أكثر مقبولا ً إعلاميا ً وسياسيا ً بعد تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة مثل حكومة وحدة وطنية لمرحلة ما ، مكافحين بشتى الوسائل لعدم جر البلاد إلى صراع طائفي وحرب أهلية ، وكذلك حكومة شراكة وطنية حالية بمشاركة مختلف الكتل السياسية الكبيرة الفائزة في الانتخابات الأخيرة وحتى المكونات العراقية الأخرى من خلال التنظيمات السياسية من المسيحيين والأيزيديين والصابئة والتي بدأت تطالب بحقها في المشاركة البرلمانية وفق مبدأ الكوتة وكذلك المشاركة في الحكومة أيضا ً مطالبين بمقاعد وزارية ومناصب أخرى ، وهذا بالتأكيد ووفق النهج المتبع من المحاصصة والوحدة أو المشاركة الوطنية من أبسط حقوقهم طالما هُم مواطنين عراقيين أشار الدستور إلى الحقوق التي من المفروض الحصول عليها .
يرى الكثير بأن مثل هذا النظام المعمول به في العراق لحد الآن بعد ثمانية سنوات من رحيل النظام السابق مفيد للتجربة العراقية الحالية والذي قد يكون مستمد ٌ من التجربة اللبنانية في تقسيم الرئاسات الثلاث البرلمان ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء على أساس قومي ديني مذهبي ، ومن ثم أنتشر ليشمل باقي المناصب من نواب الرئاسات والوزارات الأمنية الحساسة ، رغم التأكيدات على استقلالية مثل هذه الوزارات والتي باءت أكثرية المحاولات لحل أزمة وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني بالفشل لحد الآن بعد أكثر من سبعة أشهر على تشكيل حكومة السيد نوري المالكي الثانية ، مثل هذا النظام المحاصصي قد يكون قريب جدا ً من مصالح الكتل السياسية لمشاركة الجميع في الحكم ، لكن في تصوري بأنه بعيد ٌ جدا ً عن مصالح عامة الشعب والذي دفع بمرور الزمن الثمن لتعطيل الكثير جدا ً من الممكنات لتقديمها للشعب في مختلف المجالات منها الجانب الخدماتي ، نتيجة الفساد الإداري والمالي المستشري في غالبية مرافق الدولة العراقية ، حيث يتم اختيار أو تعين المسؤول على أساس حصة هذا الكيان أو ذاك دون مراعاة الكفاءة المطلوبة على أساس التكنوقراط وإنما الأختيار في أغلب الأحيان للشخص الموالي في المكان المناسب وليس العكس أي الشخص المناسب ، بحيث المسؤول لا يفقه شيئا ً عن عمله المناط به ، لذا سيكون من السهل جدا ً الوقوع في مصيدة الفساد سواءا ً كان قاصدا ً أم لم يقصد ، وبالتأكيد لم تكن هناك عقوبات رادعة لحد الآن ضد المسؤولين وخاصة الكبار حتى تكون عبرة للآخرين ، أحيانا ً كثيرة حصلت وتحصل مساومات بين قادة الكتل السياسية حول المحسوبية والمنسوبية أثناء المخالفات لغض الطرف عن سلوكيات وتصرفات المسؤولين ، هذا بالطبع لها تأثير بالغ على النظام الديمقراطي وبالتالي المتضرر الأول والأخير هو الشعب وهذا ما نأسف عليه .
فاجئني موقف في مطار بغداد الدولي وأثناء تسليم الحقائب لاستلام ( البوردينك كارت ) من موظفة على أساس متخصصة في هذا المجال على الكومبيوتر ، والتي أستغرقت في مثل هذا العمل معي لوحدي ما يقارب ربع ساعة بعد أن استفسرت لأكثر من مرة من أصدقاءها في المهنة حول آلية العمل ، في حين هذا لا يستغرق لدى أي موظف في كُل مطارات العالم أكثر من نصف دقيقة وربما أقل من هذا الوقت أحيانا ً كثيرة ، بدا لي واضحا ً بأن مثل هذه الموظفة قد أخذت مكانا ً ليس مكانها ، وكان المفروض أن يتم التعين وخاصة في مثل هذه المواقع المهمة والحساسة على أساس الخبرة والكفاءة والاختبار على الكومبيوتر ، وهذا بالتأكيد على سبيل المثال لا الحصر وكما أسلفنا بحيث هنالك الكثير من مثل هذه الحالات في الكثير من الوزارات والمؤسسات الرسمية للدولة ، بحيث كفة هؤلاء المحسوبين والمنسوبين تؤرجح كفة الكفاءات والخبرات وحتى التخصصات الدقيقة ، لتصبح منتسبي البعض الكثير من المؤسسات والدوائر من التابعين والمؤيدين لرأس الهرم فيها وهُم مع الأخير من أنصار إحدى الكتل أو التيارات السياسية والتي كانت من وراء اختيار رأس الدائرة أو المؤسسة ، وهذا بالتأكيد على حساب الكفاءة ، الخبرة ، الخدمة ، الطاقة ، الولاء للوطن ، وحتى وفق مبدأ المحاصصة نفسها لها تأثير على التوازن بين الكتل السياسية ، في إحدى الوزارات المهمة هنالك أكثر من 100 مسؤولية مهمة من أصل حوالي 130 تقريبا ً لصالح جهة سياسية معينة على حساب الجهات والكيانات السياسية الأخرى ، إذن ! أين هي التوازن في مثل هذه الحالة والتي ستكون لهؤلاء المسؤولين حتما ً ولاءا ً لجهات غير الولاء للوطن ؟
هنالك أكثر من جهة تتحدث في الفترة الأخيرة عن ترشيق الوزارات وتشكيل حكومة أغلبية خاصة بعد انتهاء مهلة المائة يوم والتي أعطاها لنفسه دولة رئيس الوزراء نوري المالكي لتقييم أداء الوزارات وخاصة الخدمية خلال هذه الفترة ومدى الإنجاز الذي تُمَكن الوزراء من إنجازه ليتسنى لرئيس مجلس الوزراء اتخاذ الخطوات اللازمة والفعلية للتقييم أو الإقالة وربما التكريم للوزارات .
نعتقد بأن مرحلة ما بعد رحيل النظام البائد والتي أكدت على ضرورة مشاركة جميع الكيانات والتيارات السياسية في الحُكم قد أضعفت العراق أكثر من النهوض والوقوف على مدار سنوات كان بالإمكان تهيئة وأعمار البنى التحتية للدولة أكثر مما حصل في ظل النظام المحاصّصي المقيت ، نعم ( الديمقراطية الحقيقية وكما يجب أن تكون ) هي أن في حالة أي كيان أو تيار أو حزب الذي يحصد أكثرية أصوات الناخبين يقوم بتشكيل الحكومة ، مع وجود معارضة فعلية قوية تراقب وتنتقد أداء الحكومة في حالة وجود أخطاء ، بهذا يمكن تحقيق المزيد من الإصلاحات وتقديم المزيد من الخدمات إلى المواطنين وفق مبدأ التنافس الشريف الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن أولا ً وأخيرا ً
14 / حزيران / 2011
h.nermo@gmail.com
www.hnermo.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: