الأربعاء، 15 فبراير 2012

" لا " الأولى ... لست عربي القومية * !!!

" لا " الأولى ... لست عربي القومية * !!!
بغداد ــ النائب حسين حسن نرمو
لم يخطر ببال ذلك الشاب الأيزيدي القُروي العنيد أن يشك يوما ً ما في انتماءه القومي ، حيث عاش وترعرع في كنف عائلة فلاحية في إحدى قرى سهل نينوى " الدشت " جنوب جبل داسن الممتد بين قضاء الشيخان ، مرورا ً بمقر الإمارة الأيزيدية في باعذرة ، وصولا ً إلى الشارع الدولي المعروف الذي يربط الحدود التركية بمدينة الموصل . والده ذلك الرجل الأمي القصير القامة والعصبي المزاج دائما ً ، يرتدي الزي الكوردي المعروف " الخاكي " والذي يدل على أنه ( البيشمركه الأيلولي )** المؤمن بقيادتها ونهجها ، لا يجيد لغة السياسة أبدا ً ، يعتبر نفسه من رجال المهمات الصعبة وعلى استعداد للقيام بأي واجب تأمره القيادة ضد أي مَن كان حتى لو كان الهدف من أقرب المقرّبين ، الولد مثل والده وكافة أفراد العائلة ، غالبيتهم ، لا يجيدون غير لغة الأم والتي هي الكردية ، وربما البعض من العربية الركيكة بحكم الاختلاط أحيانا ً كثيرة أثناء الزيارات المتكررة لمدينة الموصل لأجل التسوق ومراجعة الأطباء .
قرّر الشاب بعد نضوجه أن يسير على خُطى والده ، ليلتحق بالصديق الوفي لبني قومه " الجبل " بعد نكسة آذار والمؤامرة المعروفة على قضية شعبه ( اتفاقية الجزائر السيئة الصيت ) ، ليكون من " البيشمركه الكولانيين " *** ، لم يكن الأبن محظوظا ً مثل أبيه ، لم يتمتع بالصفة التي أطلقها على نفسه كثيرا ً ، بعد الالتحاق بالجبل بفترة قصيرة وفي أول معركة غير متكافئة مع العدو اللدود ، شاركت فيها طائرات سمتية لقصف مواقع رفاقه مع إنزال قوات المغاوير العسكرية ، ليسقط جريحا ً من بين جرحى آخرين واستشهاد الكثير من رفاقه أيضا ً ، نُقِل على متن إحدى الطائرات تلك المشاركة في المعركة بعد وقوعه في الأسر جريحا ً إلى المستشفى العسكري في المدينة الكبيرة ( الموصل ) في المنطقة للعلاج والتحقيق معا ً لاستدراجه وأخذ المعلومات منه والتي قد تفيد السلطات في دولة المنظمة السرية في عمليات قمع أخرى . سأله ضابط التحقيق عبر مترجم ، حيث كانا " الضابط والمترجم " جالسين على كرسيين مقابل السرير الذي يرقد عليه وهو مكّبل بقيود مع السرير وحسب ما روى لي نفس المترجم فيما بعد وهو كوردي من قضاء الشيخان ، سأله أولا ً الضابط عن أسمه وعمره وعنوانه ... رد ّ عليه ليقول للمترجم ، قُل له بأن ...
أسمي : ـ بيشمركه .
عمري : ـ ثورة أيلول .
عنواني : ـ كوردستان .
ثار المحقق ليصبح كالثور الجامح وترك الكرسي جانبا ً ليتحدث بلهجة أكثر تشددا ً وقال ...
ـ نحن نعرف كُل المعلومات عنك ، لذا من الأفضل أن تعترف بكل شئ .
ـ طالما تعرفون عني كل شئ ... إذن ! لِم َ تتعبون أنفسكم ؟
ـ أنت عربي القومية ... لماذا التحقت بصفوف العصاة .
ـ مَن قال لك بأنني عربي القومية ؟
ـ لست أنا الذي أقول ، وإنما أسيادك هُم الذين قالوا بأنكم عرب !!
ـ هؤلاء وإن قالوا ذلك لا يعبرون إلا عن أنفسهم والدفاع عن مصالحهم ، أما أنا وبني جلدتي أكراد القومية ، لا بل نحن أصل الأكراد ، هذا لست أنا الذي أقول وإنما كل المصادر التاريخية !
ـ أعتقد أنك بهذا الكلام تجني على نفسك نحو المصير المجهول !
ـ أعلم ذلك جيدا ً وأعرف ما أقول ، وضعت كل الاحتمالات في الحساب بعد التحاقي بالثوار من أجل قضية شعبي !
ـ تقول ، الثوار ! هؤلاء ليسوا ثوارا ً وإنما أداة بيد العملاء !
ـ هذا رأيك ! وإنما أنا مختلف معك في الوصف .
ـ إذا ً ! لا فائدة فالحديث أو التحقيق معك ، نضطر إحالتك إلى محكمة الثورة للبت في قضيتك وربما تواجه حكم الإعدام هناك .
ـ أنا راضي بما يكتب على جبيني ومؤمن بقدري .
وفعلا ً تم إحالة البيشمركه المرحوم ( تمر شمدين ) * والمعروف من أهالي قرية حتارة الكبيرة آنذاك إلى المحاكم العليا ليصدر عقوبة السجن المؤبد بحقه أثر التحاقه بثورة كولان ووقوعه في الأسر في معركة غير متكافئة بأيدي القوات العسكرية للنظام البائد .. ولم يخرج من السجن إلا بعد انتفاضة آذار المباركة بصفقة تفاوضية بين الجبهة الكردستانية وقيادة النظام البائد في مطلع التسعينات من القرن المنصرم ، بعد أن قال بوجه كل اللذين حققوا معه حينذاك بأنه كردي القومية وئيزيدي الديانة . لنتذكر موقف هذا البيشمركه البسيط وفي أصعب المواقف التي واجهها وهو في الأسر بأيدي أشرس نظام دكتاتوري حسب التصنيف العالمي ، نعم لنتذكر هذا ولنقول كلمتنا الفصل في التعداد العام للسكان والمساكن المزمع إجراءه في المستقبل والذي نأمل أن يتم قريبا ً وأثناء ملئ استمارة التعداد وخاصة في حقلي القومية والدين .
سنكتب لكم عن ( لا ) ئه الثانية ، وكيف قالها أثناء الإفراج عنه وفق الصفقة التي ذكرناها آنفا ً .
** هنا نقصد ثورة أيلول والتي بدأت من أيلول عام 1961 إلى آذار عام 1975 .
*** ثورة كولان والتي بدأت بعد نكسة آذار عام 1975 أثر اتفاقية الجزائر السيئة الصيت ضد القضية الكردية بين شاه إيران والنظام البائد بوساطة جزائرية ولحد انتفاضة آذار المعروفة في عام 1991 .
h.nermo@gmail.com
www.hnermo.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: