الأربعاء، 23 أبريل 2014

رِجال الدين ومَركَب السياسة !!!


رِجال الدين ومَركَب السياسة !!!
حسين حسن نرمو 
الذي يقرأ تاريخ الدولة العراقية بعد تأسيسها وبمراحلها الثلاث ( الملكية الدستورية إلى عام 1958 ، الدكتاتوريات المتعاقبة إلى عام 2003 ، والديمقراطية المستوردة والتوافقية لحد الآن ) ، يرى بأن دور رجال الدين في السياسة وفي المرحلة الأولى كان نوعا ً ما ضعيفا ً ، وفي حالة وجوده كان دورا ً وطنيا ً مبنيا ً على التسامح والتعايش الأخوي بين كافة مكونات الشعب العراقي بعربه ِ وكورده وباقي القوميات والأديان وحتى المذاهب ، حيث كان هنالك نوع من التحالف والتعاون المشترك في سبيل الدفاع عن العراق كوطن للجميع ، لا أحد ينكر دور الشيخ محمود الحفيد في الدفاع عن العراق وشعبها أبان ثورة العشرين في جنوب العراق ومشاركته ِ جنبا ً إلى جنب مع إخوانه العرب ، كذلك دور جعفر أبو التمن ، حينما جَمَع شباب ُ من الشيعة والسنّة على طرفي إحدى الشوارع البغدادية ، ليرشوا إخوانهم المسيحيين الذاهبين إلى إحدى الكنائس في قلب العاصمة بمناسبة العيد بالورود والعطور ، دلالة ً على التسامح والتعايش الديني ، بالتأكيد هنالك نماذج أخرى للاقتداء بالولاء للوطن آنذاك من قبل الشيوخ والسادة ومن مختلف الأطياف .
لكن في المرحلة الثانية وكما هو معروف خلال سنوات الحُكم الدكتاتوري وعلى مدى أكثر من أربعة قرون ونيف من الزمن ، ونتيجة لسياسة القائمين على الحُكم والانفراد في السُلطة ، كان هنالك ضغط ُ منقطع النظير على رجال الدين في العراق وربما الذين يتدخلون في أمور السُلطات ، حتى وصل الحد في عهد النظام البائد إلى الكثير من حملات الاعتقالات والاعدامات في صفوف رجال الدين ومن عوائل معروفة منها آل الحكيم وآل الصدر و ... و ... ويجب أن لا ننسى بأن كان هنالك تدخل سُلطوي في مراسيم وما يُقال في خُطب الجمعة في الجوامع ، لتكون مقتصرا ً أحيانا ً ومُحددا ً على التمجيد بالسُلطة والقائد الضرورة .
المرحلة الثالثة والأهم ، وهي بعد سقوط النظام ، مرحلة الديمقراطية ودور رجال الدين الذين أعطوا لأنفسهم الحق في الركوب لمَركَب السياسة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي ، حيث برز الكثير من رجال الدين السياسيين ومن كافة المكونات العراقية بأديانها وطوائفها ليصبحوا أطرافا ً في هذا التنظيم أو ذاك وإن لم ينتموا إلى الأحزاب السياسية ، دخلوا البعض الكثير منهم في المجالس المُعينة والمنتخبة ابتداءا ً من مجلس الحُكم الانتقالي  وانتهاءا ً بالدورة البرلمانية الحالية ، وهنالك محاولات فعالة لحد الآن للمشاركة والفوز في الدورة الانتخابية الثالثة للبرلمان العراقي ... ربما يكون من حق الكثير من الشيوخ ذوي العمامة البيضاء والسادة ذوي العمامة السوداء الدخول في معترك السياسة إذا كانوا يخدمون الوطن بعيدا ً عن الطائفية والتفرقة بين هذا المُكون أو ذاك ، لكن الغريب في الأمر هو دور رجال الدين غير المُشتركين في العملية السياسية ومِن على منابرهم يتدخلون في السياسة ، حيث كلنا نعلم منذ بداية السُقوط ولحد الآن ، كيفية تَدَخل رجال الدين من خارج الوطن وتأييدهم لسياسة حُلفاءهم ومؤيديهم مِن رِجال الحُكم في العراق ودعمهم مِن على المنابر ، لا بل زياراتهم المُستمرة إلى العراق لإظهار تضامنهم مع صوت اخوانهم  في المذهب في التخطيط  لِمُستقبل العراق غير المرئي والواضح لِحَد الآن نتيجة مثل هذه التدخلات ... هذا من جانب ، أما الجانب الآخر هو دور رجال الدين العراقيين ومن على المنابر ، وتدخلهم المستمر في الأمور السياسية وحتى التشريعية وربما القضائية ، وفي تصور مُعظم العراقيين بأن مثل هذه التدخلات ليست من صُلب عمل رجال الدين ، حيث ُ الأولى بهم التأكيد على روح التعايش والتسامح بين العراقيين وعدم استهداف الأنسان بسبب الهوية القومية والمذهب أو حتى الأسماء للمواطنين المحسوبين على هذا المذهب أو ذاك ، وضرورة الاهتمام بالأمور الدينية أكثر من الدنيوية ، لأن لِكُل منها رجالها ، كذلك يجب عليهم عدم دعم هذا الكيان أو التنظيم او الحزب أو حتى المرشح على حساب الآخرين ، لأن للأسف وصل الحد بالتدخل أن يتم استغلال أسماء الرموز الدينية الأموات وحتى الأحياء ولكافة المكونات ، وربما هنالك تنسيق مشترك بين رجال الدين والكيانات أو المرشحين للانتخابات الحالية للبرلمان العراقي للحصول على مزيد من الأصوات .
هنا بالتأكيد ، ولا بد أن نقول بأن الحالة موجودة وغير مقتصرة على جهة  أو مذهب أو طائفة معينة وإنما منتشرة بين كافة المذاهب والأطياف وحتى المكونات الصغيرة ومنهم المُكون الأيزيدي ، حيث ُ تَم ويتم استغلال رجال الدين وفق أسس معينة في دعم هذا المُرشح أو ذاك للانتخابات ، هذا ربما تكون على حساب مُرشحين آخرين وحسب درجة النفوذ الديني والاجتماعي وربما المادي أيضا ً أي محاولة إعطاء الأموال لرجال الدين مقابل الدعم . نأمل دائما ً ونؤكد أيضا ً أن يكونوا أعزاءنا رجال الدين ومن كافة أبناء مكونات الشعب العراقي المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين بعيدين كُل البُعد عن السياسة ، لأن للسياسة رجالها في العراق وما شالله كثيرين جدا ً ، ليبقى عمل رجال الدين مقتصرا ً على التأكيد على روح التعايش والتسامح الديني والأخوي لأبناء المكونات العراقية .
22 / 4 / 2014
    

ليست هناك تعليقات: