الخميس، 1 مايو 2008

عشرات القرى الأيزيدية لا تساوي قرية مسيحية *


بقلم / حسين حسن نرمو
حينما زرت " كوردستان الوطن " وللمرة الثانية ، بعد الأغتراب قرابة عقد من الزمن ، وربما قبلها ، كنت أنوي كتابة أسطراً عن دور القرى الأيزيدية في منطقتنا الواقعة على سفح الجبل الممتد بين قضاء الشيخان مروراً بناحية ألقوش وصولاً إلى الشارع الدولي بين زاخو والموصل وهي قرى ( كابارا ، طفتيان ، خورزان ، كرساف مروراُ بقرية بوزان وقريتي دهكان الكبير والصغير ) ، هذه القرى التي كانت ضحية مغامرات النظام الدكتاتوري البائد أبان عهده والأنظمة الأخرى التي سبقته ، حيث عمل النظام على تدميرها ولأكثر من مرة وأجبار أهاليها في عقد الثمانينات عدا قرية بوزان المرابطة لناحية ألقوش على أسكانهم في مجمعات قسرية " النصيرية " ، " شيخكة " و " مجمع بابيرة " . هذا الأجراء كان بهدف قطع خطوط التماس مع قوات الأنصار ومنع المساعدات اللوجستية من هذه القرى إلى الثوار " ابطال الحركة التحررية الكوردستانية " في عقد الثمانينات من القرن المنصرم . الذي شجعني على كتابة هذه الأسطر بعد التفكير بها مسبقاُ هو الأخ مراد كافان علي الكاباري الأصل والذي أبدع في الفترة الأخيرة من خلال مقالاته في مختلف المجالات منها طبعاُ حول قرية كابارا الذي عاش فيها ردهاً من الزمن ، حيث كنت أتمنى أن يأخذ من أسم قريته لقباُ له في كتاباته .


هذه القرى الأيزيدية ، وليست وحدها طبعاً وفي مناطق أخرى كقرى القائدية والهويرية وقرى الدشت أيضاُ جنوب جبل المذكور ، قدمت وفي مراحل مختلفة الكثير من الخدمات والمساعدات للثوار الأكراد أبان ثورتي أيلول وكولان ، وكانوا محطات لقاء وأستقبال الكثير من الذين ألتحقوا بالثوار ومن مناطق مختلفة من الجنوب والوسط العراقي أيضاً ، وبالتالي نالوا حصتهم من الظلم والهجوم والتدمير والتخريب وأخيراُ مسحهم من الخارطة الجغرافية لمواقعهم الأصلية في المنطقة من قبل السلطات المتعاقبة التي حكمت العراق . ويجب أن لا ننسى مشاركة الكثير من أبناء هذه القرى جنباً إلى جنب مع قوات البيشمه ركه في النضال ضد النظام الدكتاتوري ، وقدموا شهداءاً وجرحى وضحايا قاربت المائتان من الشيوخ والشباب والنساء والأطفال في حملات الأنفال السيئة الصيت ، حيث مصيرهم مع بقية المؤنفلين مجهولاً لحد الآن .

الذي يقف على التل الأثري في قرية " الجراحية " وهي إحدى القرى في المنطقة ذاتها والواقع جنوب الجبل الذي أحتضن القرى المدمرة ، لألقاء نظرةً بأتجاه الشمال سيرى حتماً بقايا آثار الدمار والخراب التي خلفته بعد الترحيل ، وفي الوقفة نفسها وبعكس الأتجاه وعلى نفس الأمتداد جنوباُ سيرى بمحاذاه الشارع الرئيسي في المنطقة أو أبعد من ذلك قليلاً مجموعة قرى " الآثوريين " والتي هاجرت أهاليها بعد عام 1975 إلى المدن وخارج الوطن أيضاً ، حيث باع البعض منهم أراضيهم الزراعية للغير في المنطقة حتى باتت هذه القرى مهجورة باستثناء قلة قليلة من العوائل أو الأشخاص والذين لم يتمكنوا من الرحيل ، أو قد تشبثوا بأراضي أجدادهم ، ها نرى الآن وبعد " الحملة السركيس آغاجانية " لأعمار القرى المسيحية بشكل عام في " كوردستان الأقليم " ، قد شملت هذه القرى أيضاً الرعاية من لدن السيد " سركيس آغا جان " الشخصية المعروفة على مستوى كوردستان والذي شغل لفترة منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في الأقليم قبل دمج وزارتي السليمانية للأتحاد الوطني وأربيل للديمقراطي الكوردستاني ، وأحتفظ بمنصبه كوزير للمالية في الحكومة الأتحادية والذي بالتأكيد نشد على أيديه في هذه الرعاية اللامحدودة لبني جلدته " الأقلية المسيحية " .

نعم تم بناء هذه القرى مع مثيلاتها من القرى المسيحية في كوردستان وعلى طِراز حديث وحسبما نشاهده على شاشة تلفزيون عشتار " مع الآلاف من التحيات والتمنيات بالعمر المديد لآغاجان من أبناء الأقلية المسيحية ومشاهدي القناة الفضائية ليصبح بطلاً في نظر بني جلدته " ، الطِراز الذي بُني بها القرى تلك يختلف تماماً عن طريقة بناء غالبية القرى الكوردستانية من قبل المنظمات الأنسانية ذات المجتمع المدني بعد الأنتفاضة الآذارية المباركة ولحد الآن .

الغريب في الأمر في قريتنا " النصيرية " والمعروفة من الأسم كانت سابقاً قرية للنصارى حيث الآن جُل أهاليها من الكورد الأيزيديين عدا سادن الكنيسة القديمة الموجودة في القرية " دير مار عوديشو " وهو رجل مسيحي ومعلم متقاعد يسكن القرية لحد الآن مع الأيزيديين بوئام وأحترام ، حاول الرجل مراراً وتكراراً ومن منطلق الخدمات المجانية للكنيسة أعلاه مع القائمين على أعمار القرى المسيحية لبناء دار له في القرية بجوار الكنيسة ، لكن محاولاته باءت بالفشل ليرفض طلبه بعدم شموله " بالمكرمة " كونه مقيم في قرية أيزيدية لا أكثر .

أذن ! لابد أن المواطن الأيزيدي يشعر بالغبن في المنطقة وخاصة أهالي القرى التي تم تدميرها وأسكانهم في المجمعات القسرية والذي يرى ذلك الأعمار والتطور المفاجئ في قرى إخوانهم المسيحيين ، ناهيك عن وجود سيارات لنقل الطلبة المسيحيين من القرى إلى المدارس البعيدة وعلى نفس " الحساب " ، ثم شمول ساكني هذه القرى بالرعاية الأجتماعية " سوسيال " بمبلغ مقطوع للفرد الواحد ، علماً بأن طلبة القرى الأيزيدية يذهبون إلى مدارسهم البعيدة وبالسيارات المأجورة يومياً أو شهرياً .

أليس من حق المواطن الأيزيدي أن يعاتب " القيادة الكوردستانية " ولو عتاباً خفيفاً من قلة أو شحة الخدمات في مناطقهم عكس الآخرين ، ومِن حقهم طبعاً معاتبة الأيزيديين الذين يمارسون مسؤولياتهم في الحكومة والأحزاب الكوردستانية وخاصة القريبين من مصادر القرار عتاباً شديداً على عدم إيصال معاناة تلك المناطق بالشكل المطلوب التي عانت وتعاني وربما ستعاني في المستقبل من مرارة أبسط مستلزمات المعيشة كأنسان لا أكثر .

بين الشعور أو الأحساس بالغبن ، ومعاتبة الجهات الحكومية أو الشخصية بين الحين والآخر ، لا يزال الكثير من الأيزيدييين لا يعتقدون بأن هنالك إهمال من قبل الحكومة الكوردستانية تجاه الأقلية الأيزيدية ، لا بل يقول البعض بأن السيد " رئيس مجلس الوزراء الحالي " قد أمر مسبقاً بفتح باب الميزانية لهم أسوةً بالآخرين ، حيث قال أحد مصادر القرار المقربة من القيادة الكوردستانية بأن تم صرف مبلغ قدره 6،5 مليار دينار عراقي وما يقارب الخمس ملايين دولار أمريكي ، صُرِف كدفعة واحدة للجهات المعنية بغية تخصيصه لبناء القاعات ومشاريع أخرى في القرى والمجمعات الأيزيدية ، لكن يبدو لم يحسن التصرف حينذاك ، حيث لم يصرف ثلث المبلغ أعلاه أو ربما أقل في بناء تلك القاعات والتي لا تتسع في أكثر الأحيان إقامة مراسيم التعزية للمواطنين في تلك القرى ، قد تكون تلك القاعات مناسبة أكثر في إقامة الندوات أو الأجتماعات الحزبية أو السياسية .

إذن لا بد أن نختتم مقالنا هذا المعنون أصلاً حول القرى الأيزيدية المدمرة ، حيث أطلالها باقية وشاخصة لحد الآن والتي يراها الكثير من المسؤولين الذين هم الآن في دفة الحكم المحلي في المنطقة وأثناء مرورهم بسياراتهم الفارهة عبر الشارع الرئيسي الذي يفصل تلك القرى على سفح الجبل عن المجموعة الأخرى من القرى " البنكه ند " والتي كان لهم أيضاً دوراً في أحياء نشاط الثوار أبان ثورتي أيلول وكولان المجيدتين . نعم متى يفكر هؤلاء المسؤولين بتلك القرى التي كانت يوماً ما محطات أستراحتهم أثناء فترة النضال ضد الدكتاتورية وذلك لأيصال صوت أطلالها وصرخات الصخور فيها إلى قيادتهم الحكيمة والتي حَمَتهم في تلك الأيام الصعبة أيضاً من ضربات العدو . يا ترى ! مَن سيكون صاحب الحظ السعيد من بني جلدتنا ومن المقربين من مصادر القرار ليصبح فيما بعد بطلاً لحملة الأعمار في تلك القرى على غرار حملة الأستاذ القدير " رابي سركيس "؟؟؟



* أود أن أشير بأن كل ما ذُكر في المقال هو مِن باب المقارنة لا أكثر ، حيث نكُن كل الأحترام والتقدير لأخوتنا الأعزاء من الآثوريين الذين يقطنون في قرى " كيرانجوك ، داشقوتان ، كه رمافا ، بيروزاوة وعينبقرة وبقية قرى أخوتنا المسيحيين "

ألمانيا في

14 . كانون الثاني . 2008

ليست هناك تعليقات: