الخميس، 1 مايو 2008

التجربة والقيادة الكوردستانية بين المديح والنقد

بقلم / حسين حسن نرمو
ما حققه الكورد في العراق من أمتيازات ومنجزات ومكتسبات ، خاصة بعد الأنتفاضة الآذارية المباركة ، بمشاركة غالبية الشعب الكوردستاني ، التي أندلعت وحرب الخليج الثانية " . على مشارف النهاية بعد مغامرة النظام الدكتاتوري البائد بأحتلال الجارة " الكويت
تم أستغلال سحب الأدارات بقرار من الحكومة المركزية العراقية من أقليم كوردستان الحالي في أوكتوبر عام 1991 بسد الفراغ الحاصل من قبل " الجبهة الكوردستانية " آنذاك والتهيئة لأجراء أنتخابات عامة في النصف الأول من عام 1992 ، لغرض تشكيل " البرلمان الكوردستاني " وكذلك أول " حكومة كوردستانية " .كل هذا لم يكن وليد الصدفة ، إنما جاء ثمرة لنضال الكورد وعلى مدى عقود من الزمن . بدءاً من ثورات الشيخ محمود الحفيد ، مروراً بتنظيم " هيوا " والنضال الدؤوب لمؤسسي الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومواصلة الكفاح المسلح للبارزاني الأب " رئيساً للحزب فيما بعد " أبان ثورة أيلول بعد عودته من روسيا ، ثم تأسيس " الأتحاد الوطني الكوردستاني " بزعامة الطالباني في حزيران عام 1975 للحاجة الماسة والضرورة التاريخية آنذاك لمواصلة الكفاح المسلح بعد أتفاقية الجزائر ونكسة عام 1975 ، كذلك مسيرة القيادة المؤقتة بعدها " ثورة كولان " على نهج البارزاني الخالد ، ثم سير البارزاني الأبن على خطى والده في قيادة الحزب الديمقراطي تحت الشعار المعروف " الديمقراطية للعراق مقابل نيل الأكراد حقوقهم المشروعة " .



إذن !! التجربة الكوردستانية الحالية " أقليم كوردستان العراق " والتي تعتبر مكسباً مهماً وغالٍ جداً ، تم الوصول إليها بأرواح عشرات الآلاف من الشهداء وإراقة أنهر من الدماء من مختلف شرائح المجتمع الكوردستاني والتي لا بد لهذا الشعب وحسب التسلسل الهرمي لكلا الحزبين الرئيسيين والأحزاب الكوردستانية الأخرى ، بدءاً من القادة وصولاً إلى أبسط شرائح المجتمع من الحفاظ على التجربة الحالية .

الذي تابع أداء هذه التجربة بعد تشكيل الحكومة والبرلمان منتصف عام 1992 ، مرت بمراحل عدة منها ... إقرار مبدأ " الففتي - ففتي " ، تلك الخطوة التي أدت إلى المراوحة ولم تدوم أكثر من عامين لتؤدي إلى المرحلة الأسوء في تاريخها " الأقتتال الداخلي " ، تلتها مرحلة " اللاسلم واللاحرب " ، خلفتها تجزئة التجربة إلى شطرين " السليماني والهوليري " في إدارة الأقليم بحكومتين ووزراء لهما ومكتبين لأعضاء البرلمان الكوردستاني في عاصمتيهما " هولير ومدينة الفداء " ، بعدها تم توحيد الأدارتين وفق قرار مسبق وأتفاق ستراتيجي فيما بعد . لكن عملية التوحيد جاءت غير متكافئة بالتشكيلة الوزارية وبالعدد من الوزراء أكثر من الأستحقاق وفق كل المقاييس الأقليمية والدولية ، ثم العمل في ثلاث وزارات بستة وزراء من الطرفين الرئيسيين في المعادلة السياسية في الأقليم .

هذه التجربة التي مرت بالمراحل التي ذكرناها خلال فترة زمنية قاربت عقداً ونيف من الزمن وبأمكانيات مالية تصل أحياناً " ميزانية دولة " ، قدمت ما قدمت من الخدمات للمواطنين والمسؤولين ، بنت في عصر حكومتنا أو حكوماتنا قرى ومدن نموذجية على الطراز الأوربي بدلاً من المعامل الأنتاجية ، في هذه القرى أو المدن لا يسمح للمواطنين العاديين أو الموظفين السكن فيها لأنهم لا يتداولون لغة " الدفاتر أو البلوكات من الأوراق المالية الخضراء * " ، في عهدها أستحدثت أحياءاً سكنية " حي الملايين " على سبيل المثال لا الحصر ومَن يدري ربما في المستقبل " الحي الذهبي " أو " حي الألماس " ، في عهدها أرتفع منحني الفساد المالي إلى ذروته .

إذن !! لا بد لتجربتنا الكوردستانية من مناوئين وحسب موقعها الجغرافي في مثلث العداء الخارجي ، وعلى ضوء ما ذكرناه عن التجربة وأداءها من خلال عمله في إدارة الأقليم فلا بد أن يكون لها من المؤيدين وبقوة وكذلك المنتقدين لبرنامج وعمل هذه التجربة الفريدة في المنطقة حينما يكون أداءها غير خاضع للرقابة البرلمانية ** . ويمكن تصنيف هؤلاء سواءاً كانوا من المؤيدين أو المنتقدين والآخرين الذين يمدحون بين الحين والآخر ما تقوم به التجربة وقادتها إلى :-

أولاً : الذين يقلدون مناصب مهمة وحساسة ليسوا هم وحدهم المستفيدين من التجربة الكوردستانية الحالية وإنما أقاربهم أيضاً الذين عن طريقهم يمارسون مسؤوليات أدنى ، أحياناً تمتد المكرمة وحسب مبدأ المحسوبية إلى درجات القرابة أكثر وأبناء عشيرته الذين هم بالتأكيد وحسب نظرة المسؤول الأعلى " أقربون أولى بالمعروف " ، من الطبيعي جداً حسب مبادئ هؤلاء أن يكونوا وبقوة من المؤيدين للتجربة . هذه المدرسة تعلمت أن تكون هكذا ، لا بل يرى البعض بأن أسلوب النقد لقادة التجربة من الأخطاء التي لا تغتفر ليعتبر ذلك خطوط حمراء لا يمكن أجتيازها ويؤثر حسب نظرتهم على قدسية هذا أو ذاك . قلما نجد من هؤلاء القادة أنفسهم أن ينتقد إلا إذا لا يعير أهتماماً لمنصبه وأستحقاقاته بعد التقاعد " الميراث " ، لذا حينما أنتقد الدكتور برهم صالح أسلوب جهازي الأمن التابعين للحزبين الرئيسيين ومدى تأثيرهما على المواطن وأداء التجربة وضرورة إلحاقهما بالأجهزة الحكومية ، برزت ردود فعل قوية من أطراف وناطقين لهم وبشدة للدكتور بحيث لولا موقعه ودوره المهم في العراق الجديد والأقليم ، ولو كان شخصاً آخر غيره لسحب الثقة منه وفقد جميع أستحقاقاته الأدارية والمالية و.. و .. !!!

ثانياً : هنالك طابور آخر وعلى مستوى من التعليم خارج العملية السياسية للتجربة الحالية ، لكنهم محسوبين على هذا التنظيم أو ذاك ، وليسوا من المؤيدين فحسب بل من الطبالين والزمارين من خلال " أحاديثهم ، مناقشاتهم ، خطاباتهم ، كتاباتهم ، دراساتهم ، قيامهم ، جلوسهم ، حركاتهم ، دعواتهم ، دعائهم ، عزائمهم ، مشاركاتهم ، صلواتهم ، تهانيهم ، دعاياتهم ، ندواتهم ، حواراتهم وبالتوكاتهم " لتمجيد القادة أولاً والدفاع عن سلوكيات أعوانهم والأيمان المطلق بمثالية التجربة . هذه المدرسة والمنضويين تحت لواءها ليست بالجديدة ، بل وجدت منذ بدايات الحركة التحررية الكوردستانية ، حيث صعدوا الكثير من القادة الموجودين الآن في التجربة على أكتاف الآخرين بسلوكهم وتصرفاتهم المطابقة لما ذكرناه ، في حين هنالك الكثير من المناضلين والذين كافحوا في حياتهم وفق المنهاج والنظام الداخلي لتنظيماتهم ، منهم رحلوا أو تم إزاحتهم بطرق غير مشروعة لا بل تم تصفية البعض منهم ، وهم كانوا أكثر أستحقاقاً من هؤلاء الذين تعلموا " الأساليب المتملقة " منذ بداية عملهم التنظيمي لهذا وذاك وحصلوا على المراكز التي وصلوا أليها ، ثم حصدوا الملايين من الدولارات على حساب الآخرين وبنوا قصوراً وأمتلكوا أبراجاً " ولا في الأحلام " .

ثالثاً : المدرسة الكبرى والمادة الأساسية للتجربة أو أي نظام آخر هي " الجماهير " عدا النخب والتي نتطرق أليها في الفقرة التالية والأخيرة ، هذه المدرسة وفي ظل الأنظمة الدكتاتورية لا في بلدنا فحسب بل في معظم البلدان الشرق أوسطية ، تعلمت أن تكون مدرسة صامتة " لا حول ولا قوة لها " ، وحينما تقول " نعم " في عصر الدكتاتوريات غالبيتهم لا يعرفون حتى المبرر لقولهم وإلى أي وجهة تسير بهم مراكب أنظمتهم ، بهذا الشعار " الصمت " تارة ً و " اللاصمت " تارة أخرى مع أيقاف التنفيذ أو بالصمت الغير فعال أثرت ويؤثر لا على ديمومة الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة بل لها تأثير مباشر على عدم المشاركة الفاعلة في تعديل مسار الديمقراطيات الغير متكاملة إلى حد ما أو المنقوصة في المنطقة .

رابعاً : النُخَب ، هم الأبناء الشرعيين للجماهير الذين ينتمون إلى شرائح مختلفة من المجتمع ، أحياناً يتم تنظيمهم على شكل تجمعات أو أحزاب للمعارضة السلمية في ظل الأنظمة الديمقراطية إلى حد ما ، ويقودون معارضة مسلحة ضد الأنظمة الدكتاتورية أحياناً أخرى ، رافعين شعارات رنانة لكسب الشارع وما إن تصل إلى السلطة حتى تتشظى الشعارات في الهواء . لا شك بأن النخب تتجمع أيضاً في تنظيمات تقليدية أخرى غير سياسية ، منها منظمات حقوق الأنسان ، منظمات الأعمار ، منظمات دفاع في مجالات مختلفة ، جمعيات ، بيوتات ومراكز ثقافية وأجتماعية ، منظمات المجتمع المدني ، لكن للأسف تُخترق مثل هذه التنظيمات من قبل أزلام الأنظمة والأحزاب السلطوية أيضاً ، حيث يتم شراء ذمم القائمين عليها لتحيد المنظمة أو الجمعية أو .... عن مسارها والأهداف التي قامت من أجلها ويتم العمل وفق إملاءات صادرة من الجهة المستغلة ، أحياناً ونتيجة للتدخلات نفسها تتراوح مثل هذه التنظيمات وتوقف عملها ربما لضغط الأعضاء الأحرار على القائمين عليها . من النخب أيضاً والمنضوين تحت لواء السلطة الرابعة المعروفة بعد التشريع والتنفيذ والقضاء وهي تكون سلاح ذو حدين إذا أُسئ استخدامها من قبل المتسلطين ، ويجب أن لا ننسى دورها في الأتجاه المقابل لتعمل على أسقاط الدكتاتوريات وفق الأسلوب الهادف والمبادئ الصحيحة ، ثم تعديل مسار الديمقراطيات في العالم وكما يجب أن تكون .

أخيراً يجب أن نعلم بأن ب " التقديس ، التمجيد ، المديح ، التصفيق والهلاهل و بالروح بالدم نفديك يا ... " ، تربع الكثير على أعتى وأشرس وأبشع دكتاتوريات ، ربما من غيرها لكانوا هؤلاء ذات صفات أحسن بعد ذلك ، وبالنقد والحوار الهادف وقبول الرأي الآخر ومعالجة الأخطاء بالأساليب المتمدنة ، بَنَت بلداناً من الصفر ليتم تعديل مسار الكثير من التجارب والعمليات السياسية في كثير من البلدان .

hussain-nermo@hotmail.de
*دفتر الدولار يعادل عشرة الاف, والبلوك يعادل عشرة اضعاف الدفتر
** هذا ما تحدث الينا السيد برهم صالح اثناء استقباله وفد من الايزيدية في نيسان عام 2004 ، حيث قال بانهم كحكومة يزورون مكتب البرلمان في السليمانية لحثهم على متابعة اداء حكومته انذاك

ليست هناك تعليقات: