الخميس، 1 مايو 2008

شنكال المنكوبة أصلاً !!!

( رغم أنني لا أومن بلغة القدر ، لكنني سأؤمن بقدرك حين أصبحت من المناطق المتنازعة عليها )
بقلم / حسين حسن نرمو

ربما تأخرت عن زملائي بعض الشئ في الكتابة عن مدينة شنكال وتلك الحادثة الأجرامية في الرابع عشر من آب الماضي ، والتي أراد الأرهاب المنظم من خلالها النيل من الأرث التاريخي والحضاري لمدينتنا الحبيبة ، حيث راح ضحيتها المئات من خيرة المواطنين الفقراء البسطاء والمغلوبين على أمرهم من الشيوخ والنساء والشباب والعرسان الجدد والأطفال الجياع ،

ليلقوا حتفهم تحت أنقاض تلك البيوت الطينية الجميلة ومن طراز خاص والتي كانت أكثر رأفة ورحمة من البيوت الكونكريتية بهم حسب ما أدلى به أحد الجرحى والذي تماثل الشفاء بعد خروجه من مستشفى الطوارئ في دهوك ، وهم طبعاً عانوا ما عانوا من هول الحصار وعدم وصول المواد الغذائية وعلى مدى أشهر عديدة ، وبتدبير من نفس الزمر الأرهابية المجرمة والذين يراهنون على زرع بذور الفتنة الطائفية والعنصرية ، محاولين بشتى الطرق النيل من هذا الفسيفساء المصغر من الموزاييك العراقي المكون من قوميات وأديان وطوائف متعددة ....

حاولت مراراً لأمسك القلم كي أكتب بعض السطور عن شنكال خلال الأيام القليلة الماضية ، وما تعرض لها أثر تلك الجريمة النكراء والتي هزت ضمائر الكثير من الحكومات والشعوب على مستوى العالم ، لكن المحاولات في الكتابة باءت بالفشل ، ربما لعجز القلم عن الوصف أو أحياناً خوفاً من فعلة القلم وهو في ساعة الغضب الشديد ...

إذاً شنكال المدينة الكوردستانية ، والتي فرضت نفسها ، وكانت من ضمن المطاليب وبإلحاح مع أخواتها من المدن الأخرى منها كركوك على سبيل المثال لا الحصر أيضاً في كل الحوارات والمفاوضات والتي أجراها القادة الأكراد مع الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق خلال العقود الماضية من القرن المنصرم ولم يتنازلوا عنها قيد أنملة ولحد الآن ... وعلى هذا الأساس كان النظام الدكتاتوري البائد يتعامل معها مثلما يتعامل مع كل المدن الكوردستانية ، وكان نصيبها الحرمان من الكثير من المشاريع الأقتصادية والعمرانية والصحية والأروائية لا يقل عن مثيلاتها من المدن الكردستانية الأخرى ، ونالت حصتها أيضاً من عمليات التعريب حتى كان هنالك مشروع سياسي منظم من قبل النظام البائد بترحيل أهاليها إلى مدينة الحضر لكن لم يفلح أخيراً ربما لأسباب أقوى من ذلك المخطط ، وتم هدم قراها وجمع الأهالي في مجمعات قسرية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأنسانية العادية ثم عدم تنفيذ مشروع ري الجزيرة الأروائي في مناطقها والتي كانت بأمس الحاجة إليه ...

بعد سقوط الدكتاتورية وتحرير العراق كانت شنكال أيضاً مثلها مثل باقي المدن العراقية متعطشة لهواء الحرية ، لذا أستقبلت وبحفاوة بالغة كل القوى المحررة وخاصة الأميريكية ومنها العراقية طبعاً والكوردستانية بشكل خاص ، لذا سرعان ما بادرت الأحزاب الكوردستانية بفتح مقراتها لأحتواء المنطقة بإعتبارها كوردستانية وقامت بتعين وانتخاب المسؤولين الأمنيين والأداريين ومن المؤيدين لهم ومنهم من أبناء المنطقة نفسها ، والتي من المفروض أن يكونوا أجمعين في خدمة أهاليها ، لكن للأسف أثبت الواقع عكس ذلك ، حيث تم دعم الشيوخ ورؤساء العشائر منهم آمري سرايا أبو فراس الحمداني وحسب مبدأ المنافسة الحزبية الضيقة لكسب الأصوات مع تخصيص ميزانيات على هيئة رواتب أو نثريات حسب القائمة المقدمة من هؤلاء الوجهاء لتخصيص رواتب لطواقم حماية وهمية وأكثرهم أناس غير موجودين على أرض الواقع يتم تسجيلهم حسب ذمة هذا الشيخ وذاك ، منهم سجلوا أسماءاً لذويهم وبرواتب وهم يعيشون أصلاً في أوربا ،هذا ناهيك عن تعينهم في مناصب وهم لا يستحقونها أصلاً ، وشاءت قدر مدينة التين المعروفة أن يجرى عليها الأستفتاء مع المدن الكوردستانية الأخرى حسب ما جاء في قانون إدارة الدولة وفق المادة 58 وفيما بعد الدستور العراقي حسب المادة 140 والتي ساهمت المدينة ذاتها في عدم إسقاط الدستور في المحافظة نينوى ، لذا كان الأولى بحكومة أقليم كوردستان الأهتمام بالجانب الخدمي والعمراني وخاصة في مجال التعليم والصحة وتوفير المياه الصالحة للشرب للمنطقة أكثر ، بدل من الأهتمام بالأقطاب والوجهاء الذين أصبحوا وحسب آراء مواطني هذه المدينة المنكوبة أصلاً ومن جوانب عديدة هم رجال الأزمان والحكومات والأنظمة المتعاقبة على حساب هؤلاء الفقراء المساكين المغلوبين على أمرهم ....

لذا نرى بأن المبالغ التي صُرفت في هكذا مجالات كان بالإمكان الأستفادة منها في مجالات أخرى من الخدمات الضرورية لمناطق شنكال وكذلك لدعم جهاز أمني استخباراتي باراستني زانياري مشترك أو حسب ما كان يرون تسميته ، وكان بالإمكان أن يعمل الجهاز الأمني ليل نهار لتوفير الأمن للمواطنين مثلما يعملون في المناطق الأخرى من كوردستان ، إلا إذا كان هنالك تفضيل لمنطقة على أخرى ، وبهذا أصبحت شنكال ضحية قدرها المعروف وهو إهمالها من جانب السلطات الكوردستانية بإعتبارها تابعة لحد الآن إدارياً إلى الحكومة المركزية والتي هي أيضاً تعاني من الأختراق الأمني في صفوف قواتها العسكرية والبوليسية وفي المرافق الأخرى وصولاً حتى الوزارات، علماً بأن كل الطواقم الأدارية لشنكال تم تعينها من قبل السلطات الكوردستانية ، حيث نعتقد لو أرادوا ذلك لكان ممكناً جداً ، ولما كان بإمكان الأرهاب التحرك بهذه السهولة وخاصة مثل هذه العملية الضخمة ، والذين تمكنوا من تفجير أربعة شاحنات وفي آن واحد ، علماً بأن حركة مثل هذه العجلات مشكوك فيه أصلاً وخاصة لم يتم منذ فترة ليست بالقصيرة توزيع المواد الغذائية أو المنتوجات النفطية ، لذا نرى من الضروري جداً مراعاة مثل هذه الأمور لتوفير الحماية اللازمة لهذه المنطقة الستراتيجية والتي بالتأكيد ليس من مصلحة الدول الأقليمية توسيع رقعة كوردستان ، وتحديداً سوريا أيضاً لا ترغب بضم شنكال إلى كوردستان لأسباب متعلقة بالوضع الداخلي لها وخاصة المنطقة محاديةً لحدودها والتي غالبية سكان مناطقها الحدودية من الأكراد أيضاً ، ولا بد من الآن فصاعداً تنظيم جهاز أمني مدعوم من السلطات الكوردستانية مع توفير الحماية اللازمة للمواطنين ، خوفاً من تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية مع الأخذ بنظر الأعتبار الجانب الخدمي ، وكذلك إعمار ما دمره الأرهاب في العملية الأخيرة ، والأهتمام بهؤلاء الأيتام والذي بلغ عددهم حسب آخر التقديرات أكثر من 350 يتيم لتوفير رواتب ثابتة لهم وللأرامل أيضا مع أطفالهم الباقين ، وكذلك أحياء مؤتمر أعمار شنكال المقترح من قبل حكومة أقليم كوردستان والذي تم تأجيله في الآونة الأخيرة وقبل الحادث بفترة قصيرة ، ومن ثم تأمين الطريق الوحيد الذي يربط باقي مناطق كوردستان بشنكال المنكوبة لغرض إيصال المواد التموينية وحركة المواطنين بين شنكال والمناطق الأخرى ...

ألمانيا في
02 / أيلول / 2007

ليست هناك تعليقات: